معاني القرآن للفراء - الفراء  
{قَالُواْ ٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوۡنُهَاۚ قَالَ إِنَّهُۥ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٞ صَفۡرَآءُ فَاقِعٞ لَّوۡنُهَا تَسُرُّ ٱلنَّـٰظِرِينَ} (69)

وقوله : { ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنا ما لَوْنُها . . . }

* الّلونُ مرفوعٌ ؛ لأنك لم تُرِد أن تجعل " ما " صلةً فتقول : بيّن لنا ما لونَها * ولو قَرأ به قارئٌ كان صوابا ، ولكنه أراد - والله أعلم - : ادع لنا ربك يُبَيِّن لنا أي شيء لونُها ، ولم يصلح للفعل الوقوعُ على أي ؛ لأن أصل " أي " تَفَرُّق جَمْع مِن الاستفهام ، ويقول القائل : بين لنا أسوداء هي أم صَفْراء ؟ فلما لم يصلح للتَّبَيُّن أن يقع على الاستفهام في تفرّقه لم يقع على أي ؛ لأنها جمعُ ذلك المتفر‍ِّق ، وكذلك ما كان في القرآن مثله ، فأعملْ في " ما " " وأي " الفعلَ الذي بعدَهما ، ولا تُعمِل الذي قبلهما إذا كان مُشتقّاً من العِلْم ؛ كقولك : ما أعلم أَيُّهم قال ذاك ، ولا أعلمنّ أَيُّهم قال ذاك ، وما أدرِى أَيَّهم ضربت ، فهو في العِلِم والإخبار والإنْباء وما أشبهها على ما وصفتُ لك . منه قول الله تبارك وتعالى : { وَما أَدْرَاكَ ماهِيَهْ } { وَما أَدْرَاكَ ما يَوْمُ الدَّينِ } " ما " الثانية رفعٌ ، فرفعتَها بيوم ؛ كقولك : ما أدراك أي شيء يومُ الدّين ، وكذلك قول الله تبارك وتعالى : { لِنَعْلَمَ أي الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى } رفعتَه بأَحْصَى ، وتقول إذا كان الفعل واقعا على أي : ما أدرى أَيَّهم ضربت . وإنما امتنعت من أن تُوقع على أي الفعل الذي قبلها من العلم وأشباهه ؛ لأنك تجِدُ الفعلَ غيرَ واقع على أي في المعنى ؛ ألا ترى أنك إذا قلت : اذْهَبْ فاعلم أيُّهما قام أنك تسأل غيرهما عن حالهما فتجد الفعل واقعا على الذي أعلمك ، كما أنك تقول : سل أيُّهُمْ قام ، والمعنى : سل الناس أيُّهُمْ قام . ولو أوقعت الفعل على " أي " فقلت : اسأل أيَّهُمْ قام لكنت كأنك تضمر أيّاً مرّة أخرى ؛ لأنك تقول : سل زيدا أيُّهُمْ قام ، فإذا أوقعت الفعل على زيد فقد جاءت " أي " بعده . فكذلك " أي " إذا أوقعت عليها الفعل خرجت من معنى الاستفهام ، وذلك إن أردته ، جائز ، تقول : لأضْرِبَنَّ أيَّهُم يقول ذاك ؛ لأنّ الضرب لا يقع على [ اسم ثم يأتي بعد ذلك استفهام ، وذلك لأن الضرب لا يقع على ] اثنين ، وأنتَ تقول في المسألة : سل عبد الله عن كذا ، كأنك قلت : سله عن كذا ، ولا يجوز ضربت عبد الله كذا وكذا إلا أن تريد صفة الضرب ، فأما الأسماء فلا . وقول الله : { ثُمَّ لَنَنْزِعَنّ مِنْ كُلِّ شِيعةٍ أيُّهُم أشَدُّ على الرّحْمَنِ عِتيّاً } من نصب أيّاً أوقع عليها النزع وليس باستفهام ، كأنه قال : ثم لنستخرجن العاتيَ الذي هو أشد . وفيها وجهان من الرفع ؛ أحدهما أن تجعل الفعل مكتفيا بِمن في الوقوع عليها ، كما تقول : قد قتلنا من كل قوم ، وأصبنا من كل طعام ، ثم تستأنف أيّاً فترفعها بالذي بعدها ، كما قال جلّ وعزّ : { يَبْتَغُونَ إلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أيُّهُمْ أَقْرَبُ } أي ينظرون أيُّهُم أقرب . ومثله { يُلْقُونَ أقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ } . وأما الوجه ، الآخر فإن في قوله تعالى : { ثم لَنَنْزِعَنّ مِنْ كلِّ شِيعَةٍ } لننزعن من الذين تشايعوا على هذا ، ينظرون بالتشايع أيهم أشدّ وأخبث ، وأيهم أشدّ على الرحمن عِتيّاً ، والشيعة ويتشايعون سواء في المعنى . وفيه وجه ثالث من الرفع أن تجعل { ثُمّ لَننْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ } بالنداء ؛ أي لننادين { أيُّهُمْ أشدُّ على الرّحْمانِ عِتيّاً } وليس هذا الوجه يريدون . ومثله مما تعرفه به قوله : { أفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِيِنَ آمنَوُا أَنْ لَوْ يشاء اللَّهُ لهَدَى الناس جَميعاً } فقال بعض المفسرين { أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا } : ألم يعلم ، والمعنى - والله أعلم - أفلم ييأسوا علما بأن الله لو شاء لهدى الناس جميعا . وكذلك " لَنَنْزِعَنّ " يقول يريد ننزعهم بالنداء .