قوله تعالى : { مَا لَوْنُهَا } : كقولِه " هي " ؟ وقال أبو البقاء : " ولو قُرئ " لونَها " بالنصب لكان له وجهٌ ، وهو أن تكونَ " ما " زائدة كهي في قوله :
{ أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ } [ القصص : 28 ] ويكون التقديرُ : يبين لنا لونَها ، وأمَّا " ما هي " فابتداءٌ وخبرٌ لا غيرُ إذ لا يُمْكِنُ جَعْلُ " ما " زائدةً لأنَّ " هي " لا يَصِحُّ أن تكونَ مفعولَ يبيِّن " يعني أنها بصيغةِ الرفع ، وهذا ليس من مواضعِ زيادةِ " ما " فلا حاجةَ إلى هذا . واللونُ عبارةٌ عن الحمرةِ والسوادِ ونحوِهما . واللونُ أيضاً النوعُ وهو الدَّقَل نوعٌ من النحل ، قال الأخفش : " هو جَماعةٌ واحدها : لِينة " وسيأتي . وفلان يَتَلَوَّن أي : لا يثبُتُ على حالٍ ، قال الشاعر :
كلَّ يومٍ تتلوَّنْ *** غيرُ هذا بك أَجْمَلْ
قوله : { صَفْرَآءُ فَاقِعٌ لَّوْنُهَا } بجوز أن يكونَ " فاقعٌ " صفةً و " لونُها " فاعلٌ به ، وأن يكونَ خبراً مقدماً ، و " لونُها " مبتدأ مؤخرٌ والجملةُ صفةٌ ، ذكرها أبو البقاء . وفي الوجهِ الأول نظرٌ ، وذلك أن بعضَهم نقلَ أن هذه التوابعَ للألوانِ لا تعملُ عَمَلَ الأفعال . فإنْ قيل : يكونُ العملُ لصفراء لا لفاقع كما تقول : مررتُ برجلٍ أبيضَ ناصعٍ لونُه ، فلونُه مرفوعٌ بأبيض لا بناصع ، فالجوابُ : أنَّ ذلك ههنا ممنوعٌ من جهةٍ أخرى ، وهو أنَّ صفراء مؤنثٌ اللفظِ ، ولو كانَ رافعاً ل " لونُها " لقيل : أصفرُ لونُها ، كما تقول : مررت بامرأةٍ أصفرَ لونُها ، ولا يجوز : صفراءَ لونُها ، لأنَّ الصفةَ كالفِعْل ، إلا أن يُقال : إنه لمَّا أُضيف إلى مؤنثٍ اكتسَب منه التأنيثَ فعُومِل معاملتَه كما سيأتي ذِكْرُه . ويجوز أن يكونَ " لونُها " مبتدأً ، و " تَسُرُّ " خبرَه ، وإنما أَنَّث الفعلَ لاكتسابِه بالإِضافةِ معنى التأنيث : كقوله :
مَشَيْنَ كما اهتَزَّتْ رماحٌ تَسَفَّهَتْ *** أعاليهَا مَرُّ الرياحِ النَّواسِمِ
وتَشْرَقُ بالقولِ الذي قد أَذَعْتَه *** كما شَرِقَتْ صدرُ القناةِ من الدمِ
أنَّث فعلَ المَرِّ والصدرِ لَمَّا أُضيفا لمؤنثٍ ، وقُرئ { تَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ } [ يوسف : 10 ] وقيل : لأنَّ المرادَ باللونِ هنا الصفرةُ ، وهي مؤنثةٌ فَحُمِل على المعنى في ذلك ، ويقال : أصفرُ فاقعٌ ، وأبيضُ ناصعٌ وَيَقِقٌ ولَهِقٌ ، ولِهاقٌ وأخضرُ ناصعٌ ، وأحمرُ قانئٌ وأسودُ حالِكٌ وحائِك وحَلَكُوك وحُلْكُوك ودَجُوجيّ وغِرْبيب وبهيم ، وقيل : " البهيم الخالصُ من كل لون " . وبهذا يَظْهر أن صفراء على بابها من اللون المعروفِ لا سوداء كما قاله بعضهم ، فإنَّ المفقوعَ من صفةِ الأصفرِ خاصةً ، وأيضاً فإنه مجازٌ بعيدٌ ، ولا يُسْتَعمل ذلك إلا في الإِبِلِ لقُرْب سوادها من الصفرةِ كقوله تعالى : { كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ } [ المرسلات : 33 ] . وقال :
تلك خَيْلِيْ منه وتلكَ رِكابي *** هُنَّ صُفْرٌ أولادُها كالزَّبيبِ
قوله : { تَسُرُّ النَّاظِرِينَ } جملةٌ في محلِّ رفعٍ صفةً ل " بقرة " أيضاً ، وقد تقدَّم أنه يجوز أن تكونَ خبراً عن " لونها " بالتأويلين المذكورين . والسرورُ لَذَّةٌ في القلب عند حصولِ نَفْعِ أو توقُّعِه ، ومنه " السريرُ " الذي يُجْلَسُ عليه إذا كان لأولي النِّعمةِ ، وسريرُ الميِّت تشبيهاً به في الصورة وتفاؤلاً بذلك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.