المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَأۡتِيَا فِرۡعَوۡنَ فَقُولَآ إِنَّا رَسُولُ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (16)

وقوله تعالى : { إنا رسول رب العالمين } هو على أن العرب أجرت الرسول مجرى المصدر في أن وصفت به الجمع والواحد والمؤنث ، ومن ذلك قول الهذلي :

ألكني إليها وخير الرسو . . . ل أعلمهم بنواحي الخبر{[8913]}

ومنه قول الشاعر : وإن كان مولداً .

إن التي أبصرتها . . . سحراً تكلمني رسول{[8914]}


[8913]:قال أبو ذؤيب هذا البيت من قصيدة قالها حين بيت ناس من بني سليم ناسا من هذيل فقتلوهم، قال شارح أشعار الهذليين: "ألكني: أبلغ عني ألوكي، "والألوك" الرسالة، كما تقول: أعكمني أي أعني على عكمي واعكم معي، وخير الرسول: يريد الرسل، والرسول في موضع جمع، كقولك: "كثير الدينار والدرهم"، وقوله: بنواحي الخبر، أي: حروف الكلام وجوانبه وما أشكل منه". وقال القرطبي: ألكني إليها: أرسلني إليها.
[8914]:الشاهد أن (رسول) هنا جاء في صفة المؤنث ولم تلحقه علامات التأنيث. ومثل هذين الشاهدين قول كثير عزة: لقد كذب الواشون ما بحت عندهم بسر ولا أرسلتهم برسول لأن الرسول هنا بمعنى الرسالة يؤنث ويذكر كما قال في اللسان، ومن الشواهد أيضا في هذا المقام قول العباس بن مرداس: ألا من مبلغ عني خفافا رسولا بيت أهلك منتهاها؟ فإنه يعني بقوله: "رسولا" : رسالة، ولذلك أنث الهاء في قوله: منتهاها.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَأۡتِيَا فِرۡعَوۡنَ فَقُولَآ إِنَّا رَسُولُ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (16)

الرسول : فَعُول بمعنى مُفعَل ، أي مُرسل . والأصل فيه مطابقة موصوفه ، بخلاف فعول بمعنى فاعل فحقه عدم المطابقة سماعاً ، وفعول بمعنى اسم المفعول قليل في كلامهم ومنه : بقرة ذَلول ، وقولهم : صَبُوح ، لما يشرب في الصباح ، وغبوق ، لما يشرب في العشي ، والنَّشوق ، لما ينشق من دواء ونحوه . ولكن رسول يجوز فيه أن يُجرى مجرى المصدر فلا يطابق ما يجري عليه في تأنيث وما عدا الإفراد ، وورد في كلامهم بالوجهين تارة مُلازماً الإفراد والتذكير كما في هذه الآية ، وورد مطابقاً كما في قوله تعالى : { فقولا إنّا رسولا ربك } في سورة [ طَه : 47 ] ، فذهب الجوهري إلى أنه مشترك بين كونه اسماً بمعنى مَفعول وبين كونه اسم مصدر ولم يجعله مصدراً إذ لا يعرف فعول مصدراً لغير الثلاثي ، واحتج بقول الأشْعَر الجعفي :

ألاَ أَبلِغ بني عَمرو رسولاً *** بأني عن فُتاحتِكُم غَنِيُّ

[ الفتاحة : الحكم ] . وتبعه الزمخشري في هذه الآية إذ قال : الرسول يكون بمعنى المرسَل وبمعنى الرسالة فجُعل ثَمَّ ( أي في قوله : { إنا رسولا ربّك } في سورة [ طه : 47 ] ) بمعنى المرْسَل ، وجُعل هنا بمعنى الرسالة .

وقد قال أبو ذؤيب الهذلي :

ألِكْنِي إليها وخير الرسُو *** ل أعلَمُهُم بنواحي الخبر

فهل من ريبة في أن ضمير الرسول في البيت مراد به المرسلون . وتصريح النحاة بأن فَعولاً الذي بمعنى المفعول يجوز إجراؤه على حالة المتّصِففِ به من التذكير والتأنيث فيجوز أن تقول : ناقَة رَكُوبة ورَكُوب ، يقتضي أن التثنية والجمعَ فيه مثل التأنيث . وقد تقدمت الإشارة إلى هذا في سورة طه وأحلنا تحقيقه على ما هنا .

ومبادأة خطابهما فرعونَ بأن وصفا الله بصفة ربّ العالمين مجابهة لفرعون بأنه مربوب وليس بربّ ، وإثبات ربوبية الله تعالى للعالمين . والنفي يقتضي وحدانية الله تعالى لأن العالمين شامل جميعَ الكائِنات فيشمل معبودات القبط كالشمس وغيرها ، فهذه كلمة جامعة لما يجب اعتقاده يومئذ .