المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغۡفِرَةٞ مِّن رَّبِّهِمۡ وَجَنَّـٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ وَنِعۡمَ أَجۡرُ ٱلۡعَٰمِلِينَ} (136)

ثم شرك تعالى الطائفتين المذكورتين في قوله { أولئك جزاؤهم } الآية ، وهذه تؤذن بأن الله تعالى أوجب على نفسه بهذا الخبر الصادق قبول توبة التائب ، وليس يجب عليه تعالى من جهة العقل شيء ، بل هو بحكم الملك لا معقب لأمره ، وقوله : { ونعم أجر العاملين } بمنزلة قوله : ونعم الأجر ، لأن نعم وبئس تطلب الأجناس المعرفة أو ما أضيف إليها وليست هذه الآية بمنزلة قوله تعالى : { ساء مثل القوم }{[3549]} لأن المثل هنا أضيف إلى معهود لا إلى جنس ، فلذلك قدره أبو علي : ساء المثل مثل القوم ، ويحتمل أن يكون مثل القوم مرتفعاً «بساء » ولا يضمر شيء .


[3549]:-من الآية (177) من سورة الأعراف.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغۡفِرَةٞ مِّن رَّبِّهِمۡ وَجَنَّـٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ وَنِعۡمَ أَجۡرُ ٱلۡعَٰمِلِينَ} (136)

استئناف للتنويه بسداد عملهم : من الاستغفار ، وقبول الله منهم .

وجيء باسم الإشارة لإفادة أنّ المشار إليهم صاروا أحرياء بالحكم الوارد بعد اسم الإشارة ، لأجل تلك الأوصاف الَّتي استوجبوا الإشارة لأجلها .

وهذا الجزاء وهو المغفرة وعد من الله تعالى ، تفضّلا منه : بأن جعل الإقلاع عن المعاصي سبباً في غفران ما سلف منها . وأمَّا الجنّات فإنَّما خلصت لهم لأجل المغفرة ، ولو أخذوا بسالف ذنوبهم لما استحقّوا الجنَّات فالكلّ فضل منه تعالى .

وقوله : { ويعم أجر العالمين } تذييل لإنشاء مدح الجزاء . والمخصوص بالمدح محذوف تقديره هو . والواو للعطف على جملة { جزاؤهم مغفرة } فهو من عطف الإنشاء على الإخبار ، وهو كثير في فصيح الكلام ، وسمِّي الجزاء أجراً لأنَّه كان عن وعد للعامل بما عمل . والتَّعريف في ( العاملين ) للعهد أي : ونعم أجر العاملين هذا الجزاء ، وهذا تفضيل له والعمل المجازي عليه أي إذا كان لأصناف العاملين أجور ، كما هو المتعارف ، فهذا نعم الأجر لعامل .