السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{أُوْلَـٰٓئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغۡفِرَةٞ مِّن رَّبِّهِمۡ وَجَنَّـٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ وَنِعۡمَ أَجۡرُ ٱلۡعَٰمِلِينَ} (136)

وقوله تعالى :

{ أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار } إشارة إلى الفريقين ويجوز أن يكون والذين مبتدأ وأولئك خبره ، وقوله تعالى : { خالدين فيها } حال مقدّرة أي : مقدّرين الخلود فيها إذا دخلوها .

تنبيه : لا يلزم من إعداد الجنة للمتقين والتائبين جزاء لهم أن لا يدخلها المصرون ، كما لا يلزم من إعداد النار للكافرين جزاء لهم أن لا يدخلها غيرهم ، فقول الزمخشري في «الكشاف » وفي هذه الآيات بيان قاطع على أنّ الذين آمنوا على ثلاث طبقات : متقون وتائبون ومصرون ، وأنّ الجنة للمتقين والتائبين منهم دون المصرين ، ومن خالف في ذلك فقد كابر عقله وعاند ربه ، جار على طريق الإعتزال من أن مرتكب الكبيرة إذا مات مصرّاً لا يدخل الجنة ، ونعوذ بالله من ذلك ، بل كل من مات على الإسلام يدخل الجنة ، وهو تحت المشيئة إن شاء الله عذبه ، وإن شاء عفا عنه وقوله تعالى : { ونعم أجر العاملين } المخصوص فيه بالمدح محذوف تقديره ونعم أجر العاملين ذلك أي : المغفرة والجنات .

روي أنه صلى الله عليه وسلم قال : ( ما من عبد مؤمن أذنب ذنباً فيحسن الطهور ثم يقوم فيصلي ثم يستغفر الله إلا غفر الله له ) .

وروي : ( أيّ عبد أذنب ذنباً فقال : يا رب أذنبت ذنباً فاغفر لي فقال ربه : علم عبدي أنّ له رباً يغفر الذنوب ويؤاخذ بها فغفر له فمكث ما شاء الله ثم أذنب ذنباً آخر فقال : يا رب أذنبت ذنباً آخر فاغفر لي قال ربه : علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويؤاخذ به قد غفرت له فليعمل ما شاء أي : ويستغفر فأغفر له ) .

وروي أنه تبارك وتعالى قال : ( يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ، ابن آدم إنك إن تلقني بقراب الأرض خطايا لقيتك بقرابها مغفرة بعد أن لا تشرك بي شيئاً ، ابن آدم إنك إن تذنب ذنباً حتى يبلغ ذنبك عنان السماء ثم تستغفرني أغفر لك ) .

وروي أنّ الله تبارك وتعالى قال : ( من علم أني ذو قدرة على مغفرة الذنوب غفرت له ولا أبالي ما لم يشرك بي شيئاً ) قال ثابت البناني : بلغني أنّ إبليس بكى حين نزلت هذه { والذين إذا فعلوا فاحشة } إلى آخرها .

وروي أنّ الله تعالى أوحى إلى موسى عليه الصلاة والسلام : ( ما أقل حياء من يطمع في جنتي بغير عمل كيف أجود برحمتي على من يبخل بطاعتي ) . وعن شهر بن حوشب : طلب الجنة بلا عمل ذنب من الذنوب وانتظار الشفاعة بلا سبب نوع من الغرور وارتجاء الرحمة ممن لا يطاع حمق وجهالة ، وعن الحسن يقول الله تعالى يوم القيامة : ( جوزوا الصراط بعفوي وادخلوا الجنة برحمتي واقتسموها بأعمالكم ) ، وعن رابعة البصرية أنها كانت تنشد :

ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها *** إنّ السفينة لا تجري على اليبس

ونزل في هزيمة أحد :