المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{۞قُلۡ يَتَوَفَّىٰكُم مَّلَكُ ٱلۡمَوۡتِ ٱلَّذِي وُكِّلَ بِكُمۡ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمۡ تُرۡجَعُونَ} (11)

و { ملك الموت } اسمه عزرائيل وتصرفه كله بأمر الله وبخلقه واختراعه وروي في الحديث أن البهائم كلها يتوفى الله روحها دون ملك .

قال الفقيه الإمام القاضي : كأن يعدم حياتها{[9422]} ، وكذلك الأمر في بني آدم إلا أنه نوع شرف بتصرف ملك وملائكة معه في قبض أرواحهم ، وكذلك أيضاً غلظ العذاب على الكافرين بذلك ، وروي عن مجاهد : أن الدنيا بين يدي ملك الموت كالطست بين يدي الإنسان يأخذ من حيث أمر .


[9422]:نقل القرطبي عن ابن عطية هذا الحديث وتعليقه عليه بقوله: "كأنه يعدم حياتها"، ثم قال: "وقد روي خلافه، وأن ملك الموت يتوفى أرواح جميع الخلائق حتى البرغوث والبعوضة"، ثم ذكر الحديث الذي أخرجه ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن جعفر بن محمد، ولفظه: سمعت أبي يقول: (نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ملك الموت عند رأس رجل من الأنصار، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: يا ملك الموت ارفق بصاحبي فإنه مؤمن، فقال ملك الموت:يا محمد، طب نفسا وقر عينا، فإني بكل مؤمن رفيق، واعلم أن ما في الأرض بيت مدر ولا شعر في بر ولا بحر إلا وأنا أتصفحهم في كل يوم خمس مرات، حتى إني أعرف بصغيرهم وكبيرهم منهم بأنفسهم، والله يا محمد لو أني أردت أن أقبض روح بعوضة ما قدرت على ذلك حتى يكون الله هو الآمر بقبضها). وقد ذكر ابن كثير الحديث بنفس السند، وعقب عليه بكلام لجعفر بن محمد راوي الحديث.
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{۞قُلۡ يَتَوَفَّىٰكُم مَّلَكُ ٱلۡمَوۡتِ ٱلَّذِي وُكِّلَ بِكُمۡ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمۡ تُرۡجَعُونَ} (11)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: قل يا محمد لهؤلاء المشركين بالله: يتوفاكم ملك الموت، يقول: يستوفي عددكم بقبض أرواحكم ملك الموت الذي وكل بقبض أرواحكم...

"ثُمّ إلى رَبّكُمْ تُرْجَعُونَ" يقول: من بعد قبض ملك الموت أرواحكم إلى ربكم يوم القيامة تردّون أحياء كهيئتكم قبل وفاتكم، فيجازى المحسن منكم بإحسانه، والمُسيء بإساءته.

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

أي يقبض أرواحكم، والتوفي: أخذ الشيء على تمام، مأخوذ من توفية العدد، ومنه قولهم استوفيت دَيْني من فلان.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

فلما ذكر كفرهم بالإنشاء. أضرب عنه إلى ما هو أبلغ في الكفر، وهو أنهم كافرون بجميع ما يكون في العاقبة، لا بالإنشاء وحده: ألا ترى كيف خوطبوا بتوفي ملك الموت وبالرجوع إلى ربهم بعد ذلك مبعوثين للحساب والجزاء، وهذا معنى لقاء الله على ما ذكرنا والتوفي: استيفاء النفس وهي الروح. قال الله تعالى: {الله يَتَوَفَّى الأنفس} [الزمر: 42] وقال: أخرجوا أنفسكم، وهو أن يقبض كلها لا يترك منها شيء.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

{الذي وكل بكم} إشارة إلى أنه لا يغفل عنكم وإذا جاء أجلكم لا يؤخركم إذ لا شغل له إلا هذا.

{يتوفاكم ملك الموت} ينبئ عن بقاء الأرواح فإن التوفي الاستيفاء والقبض هو الأخذ والإعدام المحض ليس بأخذ.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما ذكر استبعادهم، وأتبعه عنادهم، وكان إنكارهم إنما هو بسبب اختلاط الأجزاء بالتراب بعد انقلابها تراباً، فكان عندهم من المحال تمييزها من بقية التراب. دل على أن ذلك عليه هين بأن نبههم على ما هم مقرّون به مما هو مثل ذلك بل أدق. فقال مستأنفاً: {قل} أي جواباً لهم عن شبهتهم: {يتوفاكم} أي يقبض أرواحكم كاملة من أجسادكم بعد أن كانت مختلطة بجميع أجزاء البدن، لا تميز لأحدهما عن الآخر بوجه تعرفونه بنوع حيلة {ملك الموت} ثم أشار إلى أن فعله بقدرته، وأن ذلك عليه في غاية السهولة، ببناء الفعل لما لم يسم فاعله فقال: {الذي وكل بكم} أي وكله الخالق لكم بذلك، وهو عبد من عبيده، ففعل ما أمر به، فإذا البدن ملقى لا روح في شيء منه وهو على حاله كاملاً لا نقص في شيء منه يدعي الخلل بسببه، فإذا كان هذا فعل عبد من عبيده صرفه في ذلك فقام به على ما ترونه مع أن ممازجة الروح للبدن أشد من ممازجة تراب البدن لبقية التراب لأنه ربما يستدل بعض الحذاق على بعض ذلك بنوع دليل من شم ونحوه، فكيف يستبعد شيء من الأشياء على رب العالمين، ومدير الخلائق أجمعين؟.

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :

{يتوفاكم مَّلَكُ الموت} لا كما تزعمون أنَّ الموتَ من الأحوالِ الطَّبيعيةِ العارضةِ للحيوانِ بموجبِ الجبلَّةِ.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

هكذا في صورة الخبر اليقين.. فأما ملك الموت من هو؟ وكيف يتوفى الأنفس فهذا من غيب الله، الذي نتلقى خبره من هذا المصدر الوثيق الأكيد. ولا زيادة على ما نتلقاه من هذا المصدر الوحيد.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

فالمقصود من الجملة هو قوله {ثم إلى ربكم ترجعون} إذ هو مناط إنكارهم، وأما إنهم يتوفّاهم ملك الموت فذكره لتذكيرهم بالموت وهم لا ينكرون ذلك ولكنهم ألهتهم الحياة الدنيا عن النظر في إمكان البعث والاستعداد له فذكروا به ثم أدمج فيه ذكر ملك الموت لزيادة التخويف من الموت والتعريض بالوعيد.