محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{۞قُلۡ يَتَوَفَّىٰكُم مَّلَكُ ٱلۡمَوۡتِ ٱلَّذِي وُكِّلَ بِكُمۡ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمۡ تُرۡجَعُونَ} (11)

{ قُلْ } أي بيانا للحق وردا على زعمهم الباطل { يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ } أي يقبض أرواحكم { ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ } أي بالبعث للحساب والجزاء .

فائدة :

قال ابن أبي الحديد في ( شرح نهج البلاغة ) في هذه الآية : مذهب جمهور أصحابنا أن الروح جسم لطيف بخاري يتكون من ألطف أجزاء الأغذية ، ينفذ في العروق ، حالة فيها . وكذلك للقلب ، وكذلك للكبد .

وعندهم أن لملك الموت أعوانا تقبض الأرواح بحكم النيابة عنه . لولا ذلك لتعذر عليه وهو جسم أن يقبض روحين في وقت واحد في المشرق والمغرب ، لأن الجسم الواحد لا يكون في مكانين . في وقت واحد .

قال أصحابنا : ولا يبعد أن يكون الحفظة الكاتبون هم القابضون للأرواح عند انقضاء الأجل .

قالوا وكيفية القبض ، ولوج الملك من الفم إلى القلب ، لأنه جسم لطيف هوائي ، لا يتعذر عليه النفوذ في المخارق الضيقة ، فيخالط الروح ، التي هي كالشبيهة بها ، لأنها بخاري . ثم يخرج من حيث دخل ، وهي معه .

وإنما يكون ذلك في الوقت الذي يأذن الله تعالى له فيه وهو حضور الأجل .

فألزموا على ذلك أن يغوص الملك في الماء الغريق ليقبض روحه تحت الماء . فالتزموا ذلك ، وقالوا : ليس بمستحيل أن يتخلل الملك الماء في مسام الماء ، فإن فيه مسام ومنافذ وفي كل جسم . على قاعدتهم في إثبات المسام في الأجسام .

قالوا : ولو فرضنا أنه لا مسام فيه ، لم يبعد أن يلجه الملك فيوسع لنفسه مكانا ، كما يلجه الحجر والسمك ، وغيرهما . وكالريح الشديدة التي تقرع ظاهر البحر فتقرعه وتحفره . وقوة الملك أشد من قوة الريح . انتهى .

والأولى الوقوف ، فيما لم تعلم كيفيته ، عند متلوه وعدم مجاوزته ، أدبا عن التهجم على الغيب وتورعا عن محاولة ما لا يبلغ كنهه ، وأسوة بما مضى عليه من لم يخض فيه ، وهم الخيرة والأسوة ، والله أعلم .