الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{۞قُلۡ يَتَوَفَّىٰكُم مَّلَكُ ٱلۡمَوۡتِ ٱلَّذِي وُكِّلَ بِكُمۡ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمۡ تُرۡجَعُونَ} (11)

قوله عزّ وجلّ : { قُلْ يَتَوَفَّاكُم } بقبض أرواحكم { مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ } قال مجاهد : حويت له الأرض فجُعلت له مثل طست يتناول منها حيث يشاء ، وقال مقاتل والكلبي : بلغنا أنَّ اسم ملك الموت عزرائيل وله أربعة أجنحة : جناح له بالمشرق ، وجناح له بالمغرب ، وجناح له في أقصى العالم من حيث يجيء ريح الصبا ، وجناح من الأفق الآخر . ورجل له بالمشرق ، والأخرى بالمغرب ، والخلق بين رجليه ، ورأسه وجسده كما بين السماء والأرض ، وجُعلت له الدنيا مثل راحة اليد ، صاحبها يأخذ منها ما أَحبّ في غير مشقة ولا عناء ، أي مثل اللّبنة بين يديه فهو يقبض أنْفُس الخلق في مشارق الأرض ومغاربها ، وله أعوان من ملائكة الرحمة وملائكة العذاب .

وأخبرني الحسين بن محمد بن الحسين عن عبدالله بن يوسف بن أحمد بن مالك عن الخطّاب بن أحمد بن عيسى قال : أخبرني أبو نافع أحمد بن كثير ، عن كثير بن هشام ، عن جعفر بن برقان ، عن يزيد بن الأصم عن ابن عبّاس قال : إنّ خطوة ملك الموت ما بين المشرق والمغرب .

وأخبرنا الحسين بن محمد ، عن عبدالله بن يوسف ، عن عبد الرحيم بن محمد ، عن سلمة ابن شبيب ، عن الوليد بن سلمة الدمشقي ، عن ثور بن يزيد عن خالد بن ( معد ) ، عن معاذ بن جبل قال : إنّ لملك الموت حربة تبلغ ما بين المشرق والمغرب ، وهو يتصفّح وجوه الناس ، فما من أهل بيت إلاّ وملك الموت يتفحّصهم في كلّ يوم مرّتين ، فإذا رأى إنساناً قد انقضى أجله ضرب رأسه بتلك الحربة ، وقال : الآن يزار بك عسكر الأموات .

وأخبرنا الحسين بن محمد قال : أخبرني أبو بكر بن مالك القطيعي ، عن عبدالله بن أحمد ابن حنبل ، عن أَبي ، عن عبدالله بن نميرة عن الأعمش عن خيثمة وعن شهر بن حوشب قال : دخل ملك الموت على سليمان ، فجعل ينظر إلى رجل من جلسائه يديم إليه النظر ، فلمّا خرج قال الرجل : من هذا ؟ قال : هذا ملك الموت ، قال : لقد رأيته ينظر إليَّ كأنّه يريدني ، قال : فما تريد ؟ قال : أريد أن تحملني على الريح فتلقيني بالهند ، فدعا بالريح فحملته عليها فألقته بالهند ، ثمّ أتى ملك الموت سليمان ( عليه السلام ) فقال : إنّك كنت تديم النظر إلى رجل من جلسائي ، قال : كنتُ أعجبُ منه إنّي أُمرت أنْ أقبضَ روحه بالهند وهو عندك .

فإن قيل : ما الجامع بين قوله :

{ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا } [ الأنعام : 61 ] و

{ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ } [ النحل : 28 ] و { قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ } [ السجدة : 11 ] وقوله :

{ اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا } [ الزمر : 42 ] و { وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ } [ الأنعام : 60 ] .

قيل : تَوفّي الملائكة : القبض والنزع . وتوفّي ملك الموت : الدعاء والأمر ، يدعو الأرواح فتجيبه ثمّ يأمر أعوانه بقبضها ، وتوفّي الله سبحانه : خلق الموت ، والله أعلم .