التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{۞قُلۡ يَتَوَفَّىٰكُم مَّلَكُ ٱلۡمَوۡتِ ٱلَّذِي وُكِّلَ بِكُمۡ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمۡ تُرۡجَعُونَ} (11)

/خ10

تعليق على ملك الموت

ويلحظ أن الآية الثانية تقرر أن ملك الموت هو الذي يتوفى الناس عند موتهم في حين أن آية الزمر [ 42 ] تذكر أن الله هو الذي يتوفى النفس عند موتها . وهناك آيات تذكر أن رسل الله ( بصيغة الجمع ) هم الذين يتوفون الناس كما جاء في آية الأعراف [ 37 ] وفي آية سورة النحل [ 37 ] أن الملائكة هم الذين يتوفون الناس . وهذا ما ورد في آية سورة الأنعام [ 93 ] أيضا ، ولسنا نرى في هذا تناقضا جوهريا ؛ حيث يمكن التوفيق بين مدى الآيات بيسر .

ولقد أورد المفسرون {[1637]} روايات معزوة إلى ابن عباس ، وبعض التابعين عن ملك الموت وأعوانه وأعمالهم . منها أن اسم ملك الموت عزرائيل ، وهو من كبار ملائكة الله . ومنها أن له أعوانا ينزعون الأرواح من الأجساد حتى إذا بلغت الحلقوم تناولها ملك الموت . ومنها أن الأرض جعلت له كطست الماء أو راحة اليد يتناول منها من جاء أجله بدون مشقة . ومنها أن خطوته ما بين المشرق والمغرب ، وأن له حربة تبلغ ما بين المشرق والمغرب فيتصفح وجوه الناس ، فإذا رأى إنسانا انقضى أجله ضرب رأسه بتلك الحربة فتنزل به سكرات الموت . ومنها أنه ما على الأرض من بيت شعر أو مدر إلا يطوف به ملك الموت في اليوم مرتين وفي رواية سبع مرات لينظر هل فيه واحد أمر أن يتوفاه ! وقد أورد ابن كثير حديثا رواه ابن أبي حاتم عن جعفر بن أبي محمد قال : ( سمعت أبي يقول : نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ملك الموت عند رأس رجل من الأنصار فقال له : ارفق بصاحبي فإنه مؤمن ، فقال له : طب نفسا وقر عينا يا محمد ، فإني رفيق بكل مؤمن ، واعلم أنه ما في الأرض بيت مدر ولا شعر في بر ولا بحر إلا وأنا أتصفحهم في كل يوم خمس مرات حتى إني أعرف بصغيرهم وكبيرهم منهم بأنفسهم . والله يا محمد لو أني أردت أن أقبض روح بعوضة ما قدرت على ذلك حتى يكون الله هو الآمر بقبضها ) . وقد روي ابن كثير الذي أورد هذا الحديث تعليقا عليه عن جعفر أنه إنما يتصفحهم عند مواقيت الصلاة ، فإذا حضرهم عند الموت ، فإن كان ممن يحافظ على الصلاة دنا منه الملك ودفع عنه الشيطان ولقنه لا إله إلا الله محمد رسول الله في تلك الحالة العظيمة ! وهكذا يكون ملك الموت بمقتضى هذا الحديث موكلا ببض أرواح البعوض وغيرها من غير بني الإنسان ! ولم يرد هذا الحديث في كتب الصحاح ، والروايات الأخرى غير صحيحة الأسناد كذلك . وهذا من الأمور الغيبية التي لا يصح التزيد فيها عما ورد في القرآن إلا بحديث نبوي ثابت ؛ وواجب المسلم الإيمان بما جاء في القرآن من ذلك ، ولو لم تدركه أو تدرك حكمة ذكره العقول العادية .

ولعل من ذلك ما هو متصل بعقيدة المشركين في الملائكة من أنهم نبات الله وشفعاؤهم عنده وإشراكهم مع الله في العبادة والاتجاه . فهؤلاء الذين يشركونهم معه ويرجون شفاعتهم عنده ويعتقدون بتأثيرهم ليسوا إلا خدما الله وعبيدا ومنفذين لأوامره وحسب ، وأنهم أشداء غلاظ على الكفار والمشركين بهم . والله أعلم .


[1637]:انضر تفسير الآيات في تفسير الطبري والبغوي وابن كثير والخازن وغيرهم.