ويلحظ أن الآية الثانية تقرر أن ملك الموت هو الذي يتوفى الناس عند موتهم في حين أن آية الزمر [ 42 ] تذكر أن الله هو الذي يتوفى النفس عند موتها . وهناك آيات تذكر أن رسل الله ( بصيغة الجمع ) هم الذين يتوفون الناس كما جاء في آية الأعراف [ 37 ] وفي آية سورة النحل [ 37 ] أن الملائكة هم الذين يتوفون الناس . وهذا ما ورد في آية سورة الأنعام [ 93 ] أيضا ، ولسنا نرى في هذا تناقضا جوهريا ؛ حيث يمكن التوفيق بين مدى الآيات بيسر .
ولقد أورد المفسرون {[1637]} روايات معزوة إلى ابن عباس ، وبعض التابعين عن ملك الموت وأعوانه وأعمالهم . منها أن اسم ملك الموت عزرائيل ، وهو من كبار ملائكة الله . ومنها أن له أعوانا ينزعون الأرواح من الأجساد حتى إذا بلغت الحلقوم تناولها ملك الموت . ومنها أن الأرض جعلت له كطست الماء أو راحة اليد يتناول منها من جاء أجله بدون مشقة . ومنها أن خطوته ما بين المشرق والمغرب ، وأن له حربة تبلغ ما بين المشرق والمغرب فيتصفح وجوه الناس ، فإذا رأى إنسانا انقضى أجله ضرب رأسه بتلك الحربة فتنزل به سكرات الموت . ومنها أنه ما على الأرض من بيت شعر أو مدر إلا يطوف به ملك الموت في اليوم مرتين وفي رواية سبع مرات لينظر هل فيه واحد أمر أن يتوفاه ! وقد أورد ابن كثير حديثا رواه ابن أبي حاتم عن جعفر بن أبي محمد قال : ( سمعت أبي يقول : نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ملك الموت عند رأس رجل من الأنصار فقال له : ارفق بصاحبي فإنه مؤمن ، فقال له : طب نفسا وقر عينا يا محمد ، فإني رفيق بكل مؤمن ، واعلم أنه ما في الأرض بيت مدر ولا شعر في بر ولا بحر إلا وأنا أتصفحهم في كل يوم خمس مرات حتى إني أعرف بصغيرهم وكبيرهم منهم بأنفسهم . والله يا محمد لو أني أردت أن أقبض روح بعوضة ما قدرت على ذلك حتى يكون الله هو الآمر بقبضها ) . وقد روي ابن كثير الذي أورد هذا الحديث تعليقا عليه عن جعفر أنه إنما يتصفحهم عند مواقيت الصلاة ، فإذا حضرهم عند الموت ، فإن كان ممن يحافظ على الصلاة دنا منه الملك ودفع عنه الشيطان ولقنه لا إله إلا الله محمد رسول الله في تلك الحالة العظيمة ! وهكذا يكون ملك الموت بمقتضى هذا الحديث موكلا ببض أرواح البعوض وغيرها من غير بني الإنسان ! ولم يرد هذا الحديث في كتب الصحاح ، والروايات الأخرى غير صحيحة الأسناد كذلك . وهذا من الأمور الغيبية التي لا يصح التزيد فيها عما ورد في القرآن إلا بحديث نبوي ثابت ؛ وواجب المسلم الإيمان بما جاء في القرآن من ذلك ، ولو لم تدركه أو تدرك حكمة ذكره العقول العادية .
ولعل من ذلك ما هو متصل بعقيدة المشركين في الملائكة من أنهم نبات الله وشفعاؤهم عنده وإشراكهم مع الله في العبادة والاتجاه . فهؤلاء الذين يشركونهم معه ويرجون شفاعتهم عنده ويعتقدون بتأثيرهم ليسوا إلا خدما الله وعبيدا ومنفذين لأوامره وحسب ، وأنهم أشداء غلاظ على الكفار والمشركين بهم . والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.