المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَمَن يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِن وَلِيّٖ مِّنۢ بَعۡدِهِۦۗ وَتَرَى ٱلظَّـٰلِمِينَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلۡعَذَابَ يَقُولُونَ هَلۡ إِلَىٰ مَرَدّٖ مِّن سَبِيلٖ} (44)

وقوله تعالى : { ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده } تحقير لأمر الكفرة فلا يبال بهم أحد من المؤمنين ، فقد أضارهم كفرهم وإضلال الله إياهم إلى ما لا فلاح لهم معه . ثم وصف تعالى لنبيه عليه السلام حالهم في القيامة عند رؤيتهم العذاب ، فاجتزأ من صفتهم وصفة حالتهم بأنهم يقولون { هل إلى مرد من سبيل } ، وهذه المقالة تدل على سوء ما أطلعوا عليه ، والمراد موضوع الرد إلى الدنيا ، والمعنى الذي قصدوه أن يكون رد فيكون منهم استدراك للعمل والإيمان . والرؤية في هذه الآية : رؤية عين .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَمَن يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِن وَلِيّٖ مِّنۢ بَعۡدِهِۦۗ وَتَرَى ٱلظَّـٰلِمِينَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلۡعَذَابَ يَقُولُونَ هَلۡ إِلَىٰ مَرَدّٖ مِّن سَبِيلٖ} (44)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{ومن يضلل الله} عن الهدى.

{فما له من ولي}: ومن يضلل الله عن الهدى، فما له من قريب يهديه إلى دينه.

{من بعده}.

{وترى الظالمين} يعني المشركين.

{لما رأوا العذاب} في الآخرة.

{يقولون هل إلى مرد من سبيل}: هل إلى الرجعة إلى الدنيا من سبيل...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: ولمن صبر على إساءة إليه، وغفر للمسيء إليه جرمه إليه، فلم ينتصر منه، وهو على الانتصار منه قادر ابتغاء وجه الله وجزيل ثوابه "إنّ ذلكَ لِمنْ عَزْم الأُموُرِ "يقول: إن صبره ذلك وغفرانه ذنب المسيء إليه، لمن عزم الأمور التي ندب إليها عباده، وعزم عليهم العمل به، "وَمَنْ يُضْلِل اللّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيّ مِنْ بَعْدِهِ" يقول: ومن خذ له الله عن الرشاد، فليس له من وليّ يليه، فيهديه لسبيل الصواب، ويسدّده من بعد إضلال الله إياه. "وَتَرَى الظّالِمِينَ لَمّا رأَوُا العَذَابَ" يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وترى الكافرين بالله يا محمد يوم القيامة لما عاينوا عذاب الله يقولون لربهم: "هَلْ لنا يا ربّ إلى مَرَدَ مِنْ سَبِيلٍ"؟ وذلك كقوله: "وَلَو تَرَى إذِ المُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤوسِهِمْ عِنْدَ رَبّهِمْ رَبّنا أبْصَرْنا وَسِمعْنا..." الآية، استعتب المساكين في غير حين الاستعتاب.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

إن الذين أضلَّهم اللّهُ، وأعمى أبصارَهم وبصائرَهم، وأوقعهم في كدِّ عقوبتهم، وحَرَمَهم بَرْدَ الرضا لحكْم ربِّهم ليس لهم وليٌّ من دون الله، ولا مانعَ لهم من عذابه. وتراهم إذا رأوا العذابَ يَطلبون منه النجاة فلا ينالونها.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

{ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده} تحقير لأمر الكفرة فلا يبال بهم أحد من المؤمنين، فقد أدارهم كفرهم وإضلال الله إياهم إلى ما لا فلاح لهم معه.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما كان مبنى أمر الضال على الندم ولو بعد حين، قال عاطفاً على نحو: فترى الظالمين قبل رؤية العذاب في غاية الجبروت والبطر والتكذيب بالقدرة عليهم، فهم لذلك لا يرجون حساباً ولا يخافون عقاباً: {وترى} وقال: {الظالمين} موضع "وتراهم "لبيان أن الضال لا يضع شيئاً في موضعه، ولما كان عذابهم حتماً، عبر عنه بالماضي فقال: {لما رأوا العذاب} أي المعلوم مصير الظالم إليه رؤية محيطة بظاهره وباطنه يتمنون الرجعة إلى الدنيا لتدارك ما فات من الطاعات الموجبة للنجاة {يقولون} أي مكررين مما اعتراهم من الدهش وغلب على قلوبهم من الوجل: {هل إلى مرد} أي رد إلى دار العمل وزمانه عظيم مخلص من هذا العذاب {من سبيل}.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

الظالمون كانوا طغاة بغاة، فناسب أن يكون الذل هو مظهرهم البارز في يوم الجزاء إنهم يرون العذاب، فتتهاوى كبرياؤهم. ويتساءلون في انكسار: (هل إلى مرد من سبيل؟) في هذه الصيغة الموحية باليأس مع اللهفة، والانهيار مع التطلع إلى أي بارقة للخلاص!...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

بعد أن حكى أصنافاً من كفر المشركين وعنادهم وتكذيبهم، ثم ذكَّرهم بالآيات الدالة على انفراد الله تعالى بالإلهية وما في مطاويها من النعم وحذّرهم من الغرور بمتاع الدنيا الزائل أعقبه بقوله: {ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده} وهو معطوف على قوله: {إنما السبيل على الذين يظلمون الناس} [الشورى: 42].

والمعنى: أن فيما سمعتهم هدايةً لمن أراد الله له أن يهتدي، وأما من قدَّر الله عليه بالضلال فما له من وليّ غير الله يهديه أو ينقذه، فالمراد نفي الولي الذي يُصلحه ويُرشده، كقوله: {من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجدَ له وليَّاً مُرشداً} [الكهف: 17]، فالمراد هنا ابتداءً معنى خاص من الوَلاية.

وإضلال الله المرءَ: خَلْقُه غير سريع للاهتداء أوْ غير قابل له وحرمانه من تداركه إياه بالتوفيق كلما توغل في الضلالة، فضَلالُه من خلق الله وتقدير الله له، والله دعا الناس إلى الهداية بواسطة رُسله وشرائعه قال تعالى: {والله يدعو إلى دار السلام ويَهدي من يشاء إلى صراط مستقيم} [يونس: 25] أي يدعو كل عاقل ويَهدي بعض مَن دعاهم.

و {مَن} شرطية، والفاء في {فما له من ولي} رابطة للجواب. ونفي الولي كناية عن نفي أسباب النجاة عن الضلالة وعواقب العقوبة عليها؛ لأن الولي من خصائصه نفع مولاه بالإرشاد والانتشال، فنفي الولي يدلّ بالالتزام على احتياج إلى نفعه مولاه وذلك يستلزم أن مولاه في عناء وعذاب كما دل عليه قوله عقبه {وترى الظالمين لما رأوا العذاب} الآية. فهذه كناية تلويحية، وقد جاء صريح هذا المعنى في قوله: {ومن يضلل الله فما له من هاد} في سورة الزمر (23).

وضمير {بعده} راجع إلى اسم الجلالة، أي من بعد الله كقوله تعالى: {فمن يهديه من بعد الله أفلا تذّكرون} في سورة الجاثية (23).

ومعنى {بعد} هنا بمعنى (دُون) أو (غير)، استعير لفظ {بعد} لمعنى (دون)؛ لأن {بعد} موضوع لمن يخلف غائباً في مكانه أو في عمله، فشبه ترك الله الضالَّ في ضلاله بغيبة الولي الذي يترك مولاه دون وصي ولا وكيل لمولاه، وتقدم في قوله تعالى: {فبأي حديث بعده يؤمنون} في سورة الأعراف (185).

و {من} زائدة للتوكيد.

{وَتَرَى الظالمين لَمَّا رَأَوُاْ العذاب يَقُولُونَ هَلْ إلى مَرَدٍّ مِّن سبيل}.

عطف على جملة {ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده}، وهذا تفصيل وبيان لما أجمل في الآيتين المعطوف عليهما وهما قوله: {ويعلم الذين يجادلون في آياتنا ما لهم من محيص} [الشورى: 35]، وقوله: {ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده}.

والمعنى: أنهم لا يجدون محيصاً ولا ولياً، فلا يجدون إلا الندامة على ما فات فيقولُوا {هل إلى مرد من سبيل}.

والاستفهام بحرف {هل} إنكاري في معنى النفي، فلذلك أدخلت {مِن} الزائدة على {سبيل}؛ لأنه نكرة في سياق النفي.

والمَرَد: مصدر ميمي للردّ، والمراد بالرد: الرجوع، يقال: رده، إذا أرجعه. ويجوز أن يكون {مَرَد} بمعنى الدفع، أي هل إلى ردّ العذاب عنا الذي يبدو لنا سبيلٌ حتى لا نقع فيه، فهو في معنى {إن عذاب ربك لواقع ما له من دافع} في سورة الطور (8).

والخطاب في {ترى} لغير معيّن، أي تناهت حالهم في الظهور فلا يختص به مخاطب، أو الخطاب للنبيء صلى الله عليه وسلم تسليةً له على ما لاقاه منهم من التكذيب. والمقصودُ: الإخبار بحالهم أولاً، والتعجيب منه ثانياً، فلم يقل: والظالمون لما رأوا العذاب يقولون، وإنما قيل {وترى الظالمين} للاعتبار بحالهم.

ومجيء فعل {رأوا العذاب} بصيغة الماضي للتنبيه على تحقيق وقوعه، فالمضي مستعار للاستقبال تشبيهاً للمستقبل بالماضي في التحقق، والقرينة فعل {ترى} الذي هو مستقبل إذ ليست الرؤية المذكورة بحاصلة في الحال فكأنه قيل: لما يَرون العذاب.

وجملة {يقولون} حال من {الظالمين} أي تراهم قائلين، فالرؤية مقيدة بكونها في حال قولهم ذلك أي في حال سماع الرائي قولهم.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

الملمّون بتعابير القرآن بخصوص الهداية والضلالة، يعرفون بوضوح أنّه لا الهداية ولا الضلالة مفروضة وجبرية، إنّما هما نتيجتان مباشرتان لأعمال الناس. فأحياناً يقوم الإنسان بعمل معين وبسببه يسلب الخالق منه التوفيق ويطمس على قلبه ويمنع عنه نور الهداية ويتركه سابحاً في الظلمات.

وهذا هو عين الاختيار والحرية، فلو أن شخصاً أصر على شرب الخمر وأصيب بأنواع الأمراض، فإنه هو الذي جلب هذا الوضع وهذه الأمراض إلى نفسه، فالخالق مسبب الأسباب ويعطي التأثيرات المختلفة للأشياء، ولهذا السبب تربط النتائج به أحياناً.

على أية حال، فإن هذا أحد أكثر العقوبات ألماً بالنسبة للظالمين.