المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{وَمَا كُنتَ تَتۡلُواْ مِن قَبۡلِهِۦ مِن كِتَٰبٖ وَلَا تَخُطُّهُۥ بِيَمِينِكَۖ إِذٗا لَّٱرۡتَابَ ٱلۡمُبۡطِلُونَ} (48)

ثم بين تعالى الحجة على «المبطلين » المرتابين ما وضح أن مما يقوي نزول هذا القرآن من عند الله أن محمداً صلى الله عليه وسلم جاء به في غاية الإعجاز والطول والتضمن للغيوب وغير ذلك وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب ولا يتلو كتاباً ولا يخط حرفاً ولا سبيل له إلى العلم ، فإنه لو كان ممن يقرأ { لارتاب المبطلون } وكان لهم في ارتيابهم متعلق ، وأما ارتيابهم مع وضوح هذه الحجة فظاهر فساده ، وقال مجاهد : كان أهل الكتاب يجدون في كتبهم أن محمداً لا يخط ولا يقرأ كتاباً فنزلت هذه الآية ، وذكر النقاش في تفسير هذه الآية عن الشعبي أنه قال : ما مات النبي صلى الله عليه وسلم حتى كتب وأسند أيضاً حديثاً إلى أبي كبشة السلولي مضمنه أنه عليه السلام قرأ صحيفة لعيينة بن حصن وأخبر بمعناها .

قال الفقيه الإمام القاضي : وهذا كله ضعيف ، وقول الباجي رحمه الله منه{[9264]} .


[9264]:قال القاضي أبو الوليد الباجي ما خلاصته أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب يوم الحديبية، واستند في ذلك إلى ما وقع في صحيح مسلم من حديث البراء في صلح الحديبية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي رضي الله عنه: (اكتب الشرط بيننا، بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما قضى عليه محمد رسول الله)، فقال له المشركون: لو نعلم أنك رسول الله بايعناك –وفي رواية تابعناك- ولكن اكتب: محمد بن عبد الله، فأمر عليا أن يمحوها، فقال علي: والله لا أمحاه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أرني مكانها)، فأراه فمحاها وكتب: ابن عبد الله. وقد رواه البخاري بأظهر من هذا ،فقال: (فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب فكتب). فقال جماعة منهم الباجي، وأبو ذر (عبد الله بن أحمد الهروي)، والسمناني (ابو عمرو الفلسطيني)، قالوا بجواز هذا الظاهر، وأنه صلى الله عليه وسلم كتب بيده، واشتد نكير الفقهاء في المشرق والمغرب على قول الباجي هذا، وإليه يشير ابن عطية.