البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَمَا كُنتَ تَتۡلُواْ مِن قَبۡلِهِۦ مِن كِتَٰبٖ وَلَا تَخُطُّهُۥ بِيَمِينِكَۖ إِذٗا لَّٱرۡتَابَ ٱلۡمُبۡطِلُونَ} (48)

قال مجاهد : كان أهل الكتاب يقرأون في كتبهم أن محمداً عليه السلام ، لا يخط ولا يقرأ كتاباً ، فنزلت : { وما كنت تتلوا من قبله } : أي من قبل نزوله عليك ، { من كتاب } : أي كتاباً ، ومن زائدة لأنها في متعلق النفي ، { ولا تخطه } : أي لا تقرأ ولا تكتب ، { بيمينك } : وهي الجارحة التي يكتب بها ، وذكرها زيادة تصوير لما نفي عنه من الكتابة ، لما ذكر إنزال الكتاب عليه ، متضمناً من البلاغة والفصاحة والإخبار عن الأمم السابقة والأمور المغيبة ما أعجز البشر أن يأتوا بسورة مثله .

أخذ يحقق ، كونه نازلاً من عند الله ، بأنه ظهر عن رجل أمي ، لا يقرأ ولا يكتب ، ولا يخالط أهل العلم .

وظهور هذا القرآن المنزل عليه أعظم دليل على صدقه ، وأكثر المسلمين على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكتب قط ، ولم يقرأ بالنظر في كتاب .

وروي عن الشعبي أنه قال : ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى كتب وأسند النقاش .

حديث أبي كبشة السلولي : أنه صلى الله عليه وسلم ، قرأ صحيفة لعيينة ابن حصن وأخبر بمعناها .

وفي صحيح مسلم ما ظاهره : أنه كتب مباشرة ، وقد ذهب إلى ذلك جماعة ، منهم أبو ذر عبد الله بن أحمد الهروي ، والقاضي أبو الوليد الباجي وغيرهما .

واشتد نكير كثير من علماء بلادنا على أبي الوليد الباجي ، حتى كان بعضهم يسبه ويطعن فيه على المنبر .

وتأول أكثر العلماء ما ورد من أنه كتب على أن معناه : أمر بالكتابة ، كما تقول : كتب السلطان لفلان بكذا ، أي أمر بالكتب .

{ إذاً لارتاب المبطلون } : أي لو كان يقرأ كتباً قبل نزول القرآن عليه ، أو يكتب ، لحصلت الريبة للمبطلين ، إذ كانوا يقولون : حصل ذلك الذي يتلوه مما قرأه ، قيل : وخطه واستحفظه ؛ فكان يكون لهم في ارتيابهم تعلق ببعض شبهة ، وأما ارتيابهم مع وضوح هذه الحجة فظاهر فساده .

والمبطلون : أهل الكتاب ، قاله قتادة ؛ أو كفار قريش ، قاله مجاهد .

وسموا مبطلين ، لأنهم كفروا به ، وهو أمي بعيد من الريب .

ولما لم يكن قارئاً ولا كاتباً ، كان ارتيابهم لا وجه له .