محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَمَا كُنتَ تَتۡلُواْ مِن قَبۡلِهِۦ مِن كِتَٰبٖ وَلَا تَخُطُّهُۥ بِيَمِينِكَۖ إِذٗا لَّٱرۡتَابَ ٱلۡمُبۡطِلُونَ} (48)

{ وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ } أي فإن ظهور هذا الكتاب الجامع لما يكفل سعادة الدارين في شرائعه وقضاياه ، على أمي لم يعرف بالقراءة والتعلم ، خارق للعادة . وذكر اليمين زيادة تصوير للمنفي ، ونفي للتجوز في الإسناد { إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ } أي لو كنت ممن يخط ويقرأ ، لقالوا : لعله تعلمه أو كتبه بيده ، من كتب مأثورة عن الأنبياء .

تنبيه :

قال السيوطي في ( الإكليل ) : في هذه الآية دليل على أنه صلى الله عليه وسلم كان أميا لا يقرأ ولا يكتب . وفيها رد على من زعم أنه كتب . انتهى .

وقال ابن كثير : وهذه صفته في الكتب المتقدمة . كما قال تعالى {[6053]} : { الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل } الآية . وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائما لا يحسن الكتابة ولا يخط سطرا ولا حرفا بيده . بل كان له كتاب يكتبون بين يديه الوحي والرسائل إلى الأقاليم . ومن زعم ، من متأخري الفقهاء ، كالقاضي ابن الوليد الباجي ومن تابعه ، أنه عليه السلام كتب يوم الحديبية : هذا ما قضى عليه محمد بن عبد الله . فإنما حمله على ذلك رواية {[6054]} في ( صحيح البخاري ) ( ثم أخذ فكتب ) وهذه محمولة على الرواية الأخرى ( ثم أمر فكتب ) ولهذا اشتد النكير من فقهاء المشرق والمغرب على من قال بقول الباجي وتبرأوا منه وأنشدوا في ذلك أقوالا وخطبوا به في محافلهم . وإنما أراد الرجل أعني الباجي فيما يظهر عنه . أنه كتب ذلك على وجه المعجزة . لا أنه كان يحسن الكتابة . وما أورده بعضهم من الحديث ؛ أنه لم يمت صلى الله عليه وسلم حتى تعلم الكتابة . فضعيف لا أصل له . انتهى .

وقال الشهاب وممن ذهب إلى أنه كان يحسن الكتابة ، أبو ذر الهروي وأبو الفتح النيسابوري وأبو الوليد الباجي من المغاربة . وصنف فيه كتابا ، وسبقه إليه ابن منبه . ولما قال أبو الوليد ذلك ، طعن فيه ورمي بالزندقة وسب على المنابر ، ثم عقد له مجلس فأقام الحجة على مدعاه وكتب به إلى علماء الأطراف . فأجابوا بما يوافقه . وأن معرفة الكتابة بعد أميته لا تنافي المعجزة . بل هي معجزة أخرى ، لكونها من غير تعليم . ورد الإمام محمد بن مفوز كتاب الباجي لما في الحديث الصحيح {[6055]} ( إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب ) وقال : كل ما ورد في الحديث من قوله ( كتب ) فمعناه أمر بالكتابة . انتهى .


[6053]:(7 الأعراف 157).
[6054]:أخرجه في: 54 – كتاب الشروط، 15 – باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب، وكتابة الشروط، حديث 881 و 882 عن المسور بن مخرمة ومروان.
[6055]:أخرجه البخاري في: 30 – كتاب الصوم، 13 – باب قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لا نكتب ولا نحسب، حديث 968، عن ابن عمر.