قوله تعالى : { وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لاَّرْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ( 48 ) بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ } .
هذا برهان ساطع على صدق نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أن القرآن منزل من رب العالمين . دليل جليّ مستبين لكل ذي طبع سوي وذي نباهة وفطانة يمحص بها الحق من الباطل . أما الذين أشربت قلوبهم الضغينة والحقد والكراهية للإسلام ، أو الذين زاغت عقولهم وأبصارهم فلا يرون ولا يركنون إلى الزيف والاعوجاج والباطل ؛ فإنهم في معزل عن إدراك هذا القرآن أو التصديق بإعجاز نظمه وأسلوبه الفذ .
هذا دليل للبشرية كافة يقرع فيها القلوب والأذهان لكي تستيقن أن هذا القرآن من لدن حكيم حميد . وهو قوله : { وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ } أي ما كنت تقرأ يا محمد من قبل القرآن كتابا ؛ إذ لم تكن قارئا . وكذلك ما كنت تكتبه ، إذ لم تكن كاتبا ؛ بل كنت أميا فلم تقرأ ولم تكتب . وقد وصفه الله في التوراة والإنجيل بأنه النبي الأمي المبعوث للعالمين . وهو ما يعلمه بنو إسرائيل من قبل أن يحرفوا التوراة والإنجيل ومن قبل أن يغيروهما تغييرا . لا جرم أن هذه علامة نبوة واضحة بلجة تكشف عن صدق هذا النبي الكريم الذي أرسله الله رحمة للعالمين . آية ظاهرة لا لَبس فيها لا إبهام ، ولا تقبل المرء أو التأويل . آية لو انفردت وحدها من بين الدلائل والحجج على صدق النبي وعلى حقيقة القرآن لكان فيها ما يكفى . نقول ذلك ونحن نذكر أن هذا الكتاب الحكيم المعجز الذي لا نظير له في السابقين ، بل في تاريخ الكتابة والكتب كافة . كتاب قد تضمن من وجوه البينات والمعجزات والأحكام والأخبار والمعاني بأنه حق وأنه ليس من صنع بشر ؛ بل هو من لدن إله مدبر مقتدر . نقول ذلك ونحن نذكر أن محمدا صلى الله عليه وسلم كان أميًّا لا يعرف القراءة ولا الكتابة . وما تلقى من أحد من الناس علما ولا خالط أحدا من أهل العلم أو الحكمة ، لا في مدرسة ولا في بيت من بيوت التدريس أو المعرفة . لقد نشأ عليه الصلاة والسلام أميا وعاش طيلة حياته أميا ؛ فتلقى القرآن على هيئته من كمال المضمون والمعنى ، وعجيب الأسلوب والمبنى . المبنى المميز الباهر الخلاب ، الذي لا قِبل للعرب طُرًّا –وهم أهل البيان واللسن ومصاقع{[3575]} الكلام والخطابة- أن يعارضوه أو يأتوا بمثله .
إن ذلكم برهان أكبر على أن هذا القرآن من كلام الله وأنه معجز وفذ .
قوله : { إِذًا لاَّرْتَابَ الْمُبْطِلُونَ } لو كان محمدا صلى الله عليه وسلم قارئا أو كاتبا لارتاب أهل الباطل من أهل الكتاب . وسبب ارتيابهم : أنهم كانوا يجدون في كتبهم أن صفته الأمية ؛ فهو لا يقرأ ولا يكتب . ولو كان على خلاف ذلك لارتابوا وشكُّوا .
وكذلك فإن كونه أميا يشهد له بصدق النبوة وأنه رسول مبعوث من رب العالمين . وأي شهادة أكبر من هذه الشهادة إذا ما تذكرنا أن هذا القرآن حافل بعجائب الأخبار والأسرار والأحكام والمواعظ وأنباء السابقين الغابرين . وغير ذلك من المعاني والمشاهد والعبر التي تزجي بالدليل القاطع على أن القرآن لا يطيق مضاهاته أو الإتيان بمثله بشر وإنما هو من كلام العليم الخبير .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.