المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{كَلَّآ إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَيَطۡغَىٰٓ} (6)

وقوله تعالى : { كلا إن الإنسان ليطغى } الآية نزلت بعد مدة من شأن أبي جهل بن هشام ، وذلك أنه طغى لغناه ولكثرة من يغشى ناديه من الناس ، فناصب رسول الله صلى الله عليه وسلم العداوة ونهاه عن الصلاة في المسجد ، ويروى أنه قال : لئن رأيت محمداً يسجد عند الكعبة لأطأن على عنقه ، فيروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد عليه القول وانتهره وتوعده ، فقال أبو جهل : أيتوعدني ، وما بالوادي أعظم ندياً مني{[11904]} ، ويروى أيضاً أنه جاء النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فهمَّ بأن يصل إليه ويمنعه من الصلاة ، ثم كع عنه وانصرف ، فقيل له : ما هذا ؟ فقال : لقد اعترض بيني وبينه خندق من نار ، وهول وأجنحة{[11905]} ، ويروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «لو دنا مني لأخذته الملائكة عياناً{[11906]} » فهذه السورة من قوله : { كلا } إلى آخرها نزلت في أبي جهل ، و { كلا } : هي رد على أقوال أبي جهل وأفعاله ، ويتجه أن تكون بمعنى : حقاً ، فهي تثبيت لما بعدها من القول ، والطغيان : تجاوز الحدود الجميلة .


[11904]:أخرج ابن أبي شيبة، وأحمد، والترمذي وصححه، وابن المنذر، وابن جرير، والطبراني، وابن مردويه، وأبو نعيم والبيهقي، عن ابن عباس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي، فجاء أبو جهل فقال: ألم أنهك عن هذا؟ ألم أنهك عن هذا؟ فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم فزبره، فقال أبو جهل: إنك لتعلم ما بها رجل أكثر ناديا مني، فأنزل الله (فليدع ناديه سندع الزبانية)، قال ابن عباس: والله لو دعا ناديه لأخذته زبانية الله.
[11905]:أخرجه أحمد، ومسلم، والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن مردويه، وأبو نعيم والبيهقي، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[11906]:أخرجه عبد الرزاق، وعبد بن حميد، والبخاري، وابن جرير، وابن مردويه، وابن المنذر، وأبو نعيم والبيهقي معا في الدلائل، عن ابن عباس رضي الله عنهما.