الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{كَلَّآ إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَيَطۡغَىٰٓ} (6)

أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال : منهومان لا يشبعان : صاحب علم وصاحب دنيا ، ولا يستويان ، فأما صاحب العلم فيزداد رضا الرحمن ، ثم قرأ { إنما يخشى الله من عباده العلماء } [ فاطر : 28 ] وأما صاحب الدنيا فيتمادى في الطغيان ، ثم قرأ { إن الإِنسان ليطغى أن رآه استغنى } والله أعلم .

أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد والبخاري وابن جرير وابن مردويه وابن المنذر وأبو نعيم والبيهقي معاً في الدلائل عن ابن عباس قال : قال أبو جهل : لئن رأيت محمداً يصلي عند الكعبة لأطأن عنقه . فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : «لو فعل لأخذته الملائكة عياناً » .

وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وصححه ، وابن المنذر وابن جرير والطبراني وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي عن ابن عباس قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي ، فجاء أبو جهل فقال : ألم أنهك عن هذا ؟ ألم أنهك عن هذا ؟ فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم فزبره ، فقال أبو جهل : إنك لتعلم ما بها رجل أكثر نادياً مني ، فأنزل الله { فليدع ناديه سندع الزبانية } قال ابن عباس : والله لو دعا ناديه لأخذته زبانية الله .

وأخرج ابن جرير والطبراني في الأوسط وأبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس قال : قال أبو جهل : لئن عاد محمد يصلي عند المقام لأقتلنه ، فأنزل الله { اقرأ باسم ربك الذي خلق } حتى بلغ هذه الآية { لنسفعن بالناصية ناصية كاذبة خاطئة فليدع ناديه سندع الزبانية } فجاء النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فقيل : ما يمنعك ؟ فقال : «قد اسودّ ما بيني وبينه . قال ابن عباس : والله لو تحرك لأخذته الملائكة والناس ينظرون إليه » .

وأخرج البزار والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي عن العباس بن عبد المطلب قال : كنت يوماً في المسجد فأقبل أبو جهل فقال : إن لله عليّ إن رأيت محمداً ساجداً أن أطأ على رقبته . فخرجت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى دخلت عليه ، فأخبرته بقول أبي جهل . فخرج غضبان حتى جاء المسجد ، فعجل أن يدخل الباب فاقتحم الحائط . فقلت هذا يوم شرّ فاتزرت ثم تبعته ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ { اقرأ باسم ربك الذي خلق } فلما بلغ شأن أبي جهل { كلا إن الإِنسان ليطغى } قال إنسان لأبي جهل : يا أبا الحكم هذا محمد .

فقال أبو جهل : ألا ترون ما أرى ؟ والله لقد سد أفق السماء عليّ . فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر السورة سجد .

وأخرج أحمد ومسلم والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي عن أبي هريرة قال : قال أبو جهل : هل يعفر محمد وجهه إلا بين أظهركم ؟ قالوا : نعم . فقال : واللات والعزى لئن رأيته يصلي كذلك لأطأن على رقبته ولأعفرن وجهه في التراب . فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ليطأ على رقبته . قال : فما فجئهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه ، فقيل له : ما لك ؟ قال : إن بيني وبينه خندقاً من نار وهؤلاء أجنحة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضواً عضواً » قال : وأنزل الله { كلا إن الإِنسان ليطغى } إلى آخر السورة يعني أبا جهل { فليدع ناديه } يعني قومه { سندع الزبانية } يعني الملائكة .

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله : { أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى } قال : أبو جهل بن هشام ، حيث رمى رسول الله بالسلا على ظهره وهو ساجد لله عز وجل .

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله : { أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى } قال : نزلت في عدوّ الله أبي جهل ، وذلك أنه قال : لئن رأيت محمداً يصلي لأطأن على عنقه ، فأنزل الله { أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى أرأيت إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى } قال : محمداً { أرأيت إن كذب وتولى } يعني بذلك أبا جهل { فليدع ناديه } قال : قومه وحيه { سندع الزبانية } قال : الزبانية في كلام العرب الشرط .

وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد { أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى } قال : أبو جهل نهى محمداً إذا صلى { فليدع ناديه } قال : عشيرته { سندع الزبانية } قال : الملائكة .

وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله : { لنسفعن } قال : لنأخذن .

وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة مثله .

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عبد الله بن الحرث قال : الزبانية أرجلهم في الأرض ورؤوسهم في السماء .