غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{كَلَّآ إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَيَطۡغَىٰٓ} (6)

1

قوله سبحانه { كلا } ذكر بعض العلماء أنه بمعنى حقاً ؛ لأنه ليس قبله ولا بعده شيء يتوجه إليه الردع . وقال صاحب الكشاف : إنه ردع لمن كفر بنعمة الله عليه وطغى ، وهذا معلوم من سياق الكلام وإن لم يذكر .

وقال مقاتل : كلا لا يعلم الإنسان أنه خلق من علقة وصار عالماً بعد أن كان جاهلاً ، وذلك لاستغراقه في حب المال والجاه ، فلا يتأمل في هذه الأحوال .

ومعنى { أن رآه } لأن رأى نفسه فحذف حرف الجر على القياس ، وحذف النفس لخاصيتة فعل القلب وهي جواز الجمع بين ضميري الفاعل والمفعول فيه .

وأكثر المفسرين على أن المراد بالإنسان هاهنا إنسان واحد هو أبو جهل . ومنهم من يقول : خمس آيات من أول هذه السورة نزلت أولاً ، ثم نزل باقيها في أبي جهل بعد ذلك بزمان فضم إليها ، وقيل : نزلت فيه من قوله { أرأيت الذي ينهى } إلى آخر السورة ، والإنسان عام . فإن قيل : لم قال في حق فرعون { إنه طغى } [ النازعات :17 ] وفي حق أبي جهل { ليطغى } قلنا : إنما أخبر بذلك عن فرعون قبل أن يلقاه موسى وقبل أن يعرض عليه الأدلة ، وأما هذه الآية فنزلت تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم حين رد أبو جهل عليه أقبح الرد . وأيضاًً إن فرعون مع كامل سلطته ما كان يؤذي موسى إلا بالقول ، وأبو جهل مع قلة جاهه كان يقصد قتل النبي صلى الله عليه وسلم ، وفرعون كان قد أحسن إلى موسى أولاً وقال آخراً { آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل } [ يونس :9 ] وأما أبو جهل فكان يحسد النبي صلى الله عليه وسلم في صباه ، وقال في آخر عمره : بلغوا عني محمداً أني أموت ولا أجد أبغض إليّ منه . وأيضاً إنهما وإن كانا رسولين لكن الحبيب في مقابلة الكليم كاليد في مقابلة العين ، والعاقل يصون عينه فوق ما يصون يده ؛ بل يصون عينه باليد ، فلهذا كانت المبالغة هاهنا أكثر . واعلم أن المال ليس سبباً للطغيان على الإطلاق ، ولهذا ذهب جم غفير إلى أن الإنسان في الآية مخصوص ، وكيف لا وإنه لم يزد سليمان عليه السلام إلا تواضعاً وعبودية . روي أنه كان يجالس المساكين ويقول : مسكين جالس مسكيناً . وكان عبد الرحمن بن عوف من كبار الصحابة كثير المال ، وقال صلى الله عليه وسلم " نعم المال الصالح للرجل الصالح " ، ولو أنصف العال وتأمل وجد نفسه في حال الغنى أشد افتقاراً إلى الله ، لأن الفقير لا يتمنى إلا سلامة نفسه ، والغني يتمنى سلامة نفسه وماله وأهله وجاهه :

/خ19