المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ فَلَهُمۡ أَجۡرٌ غَيۡرُ مَمۡنُونٖ} (6)

ثم أخبر أن { الذين آمنوا وعملوا الصالحات } وإن نال بعضهم هذا في الدنيا { فلهم } في الآخرة { أجر غير ممنون } ، وقال الحسن ومجاهد وقتادة وابن زيد وأبو العالية : المعنى { رددناه أسفل سافلين } في النار على كفره ، ثم استثنى { الذين آمنوا } استثناء منفصلاً ، فهم على هذا ليس فيهم من يرد أسفل سافلين في النار على كفره ، وفي حديث عن أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إذا بلغ المؤمن خمسين سنة خفف الله تعالى حسابه ، فإذا بلغ ستين رزقه الإنابة ، فإذا بلغ السبعين أحبه أهل السماء ، فإذا بلغ الثمانين كتبت حسناته وتجاوز الله عن سيئاته ، فإذا بلغ تسعين غفرت ذنوبه ، وشفع في أهل بيته ، وكان أسير الله في أرضه ، فإذا بلغ مائة ولم يعمل شيئاً كتب الله له ما كان يعمل في صحته ولم تكتب عليه سيئة{[11893]} . » وفي حديث «إن المؤمن إذا رد إلى أرذل العمر كتب الله له خير ما كان يعمله في قوته ، وذلك أجر غير ممنون . {[11894]} » و { ممنون } معناه : محسوب مصَرِّد{[11895]} يمن عليهم ، قاله مجاهد وغيره ، وقال كثير من المفسرين : معناه مقطوع من قولهم حبل منين ، أي ضعيف منقطع .


[11893]:أخرجه أحمد في مسنده (3/218) عن أنس رضي الله عنه، وفيه: (ما من معمر يعمر في الإسلام أربعين سنة إلا صرف الله عنه ثلاثة أنواع من البلاء: الجنون، والجذام، والبرص، فإذا بلغ خمسين سنة لين الله عليه الحساب، فإذا بلغ ...إلخ).
[11894]:أخرج البخاري عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا مرض العبد أو سافر كتب الله له من الأجر مثل ما كان يعمل صحيحا مقيما)، كذلك أخرجه ابن مردويه عن أبي موسى مع اختلاف في بعض الألفاظ، وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة – ولم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم- حديثا طويلا (جاء في آخره (وفي لفظ قال: من رد منهم إلى أرذل العمر جرى له من الأجر مثل ما كان يعمل في صحته وشبابه، فذلك الأجر غير ممنون، قال: ولا يمن به عليهم).
[11895]:التصريد في الأجر: تقليله.