معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قَالَتۡ إِنِّيٓ أَعُوذُ بِٱلرَّحۡمَٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّٗا} (18)

فلما رأت مريم جبريل يقصد نحوها نادته من بعيد ، ف{ قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً } مؤمناً مطيعاً . فإن قيل : إنما يستعاذ من الفاجر ، فكيف قالت : إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً ؟ . قيل : هذا كقول القائل : إن كنت مؤمناً فلا تظلمني . أي : ينبغي أن يكون إيمانك مانعاً من الظلم ، كذلك هاهنا . معناه : ينبغي أن تكون تقواك مانعاً من الفجور .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالَتۡ إِنِّيٓ أَعُوذُ بِٱلرَّحۡمَٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّٗا} (18)

للإشارة إلى كمال عصمتها إذ قالت : { إنِّي أعوذُ بالرحمن مِنكَ إن كُنتَ تقِيَّاً } ، إذ لم يكن في صورته ما يكره لأمثالها ، لأنها حسبت أنه بشر اختبأ لها ليراودها عن نفسها ، فبادرته بالتعوذ منه قبل أن يكلمها مبادرة بالإنكار على ما توهمته من قصده الذي هو المتبادر من أمثاله في مثل تلك الحالة .

وجملة { إنِّي أعوذُ بالرحمن مِنكَ } خبرية ، ولذلك أكدت بحرف التأكيد . والمعنى : أنها أخبرته بأنها جعلت الله معاذاً لها منه ، أي جعلت جانب الله ملجأ لها مما هَمّ به . وهذه موعظة له .

وذكرها صفة ( الرحمان ) دون غيرها من صفات الله لأنها أرادت أن يرحمها الله بدفع من حسبته داعراً عليها .

وقولها { إن كُنتَ تَقيّاً } تذكير له بالموعظة بأن عليه أن يتّقي ربّه .

ومجيء هذا التذكير بصيغة الشرط المؤذن بالشك في تقواه قصد لتهييج خشيته ، وكذلك اجتلاب فعل الكون الدال على كون التّقوى مستقرة فيه . وهذا أبلغ وعظٍ وتذكيرٍ وحثّ على العمل بتقواه .