فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قَالَتۡ إِنِّيٓ أَعُوذُ بِٱلرَّحۡمَٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّٗا} (18)

{ قالت إني أعوذ بالرحمان منك } فإنه شاهد عدل بأنه لم يخطر ببالها شائبة مثل ما إليه فضلا عما ذكر من الحالة المرتبة على أقصى مراتب الميل والشهوة .

نعم كان تمثله على ذلك الحسن الفائق والجمال الرائق لابتلائها وسبر عفتها ، ولقد ظهر منها من الورع والعفاف ما لا غاية وراءه ، وذكره تعالى بعنوان الرحمانية للمبالغة في العياذ به تعالى واستجلاب آثار الرحمة الخاصة التي هي العصمة مما دهمها أه .

وقد تكلموا في كيفية تمثله ، فقال إمام الحرمين : يفني الله الزائد من خلقه أو يزيله عنه ثم يعيده إليه ، يعني أن له أجزاء أصلية كما في الإنسان وأجزاء زائدة ، وجزم ابن عبد السلام بالإزالة دون الفناء وقال ابن حجر : إن القدر الزائد لا يزول ولا يفنى بل يخفيه الله تعالى عن الرأي فقط قاله الكرخي .

وقيل إنما ظهر لها في صورة البشر لتستأنس بكلامه ولا تنفر عنه فتفهم كلامه ولو بدا لها في صورة الملائكة لنفرت ولم تقدر على استماع كلامه ، وأنها لا تطيق أن تنظر إلى الملك وهو على صورته ، فلما رأته في صورة إنسان حسن كامل الخلق قد خرق عليها الحجاب ظنت أنه يريدها بسوء فاستعاذت بالله منه .

و { قالت إني أعوذ بالرحمان منك إن كنت تقيا } أي ممن يتقي الله ويخافه ، ويعمل بمقتضى التقوى والإيمان ، وخصت الرحمان بالذكر ليرحم ضعفها وعجزها عن دفعه . وقيل إن تقيا اسم رجل صالح فتعوذت منه تعجبا . وقيل إنه اسم رجل فاجر معروف في ذلك الوقت ، والأول أولى .

وتعودها من تلك الصورة الحسنة دل على كمال عفتها وغاية ورعها ، وجواب الشرط محذوف ، أي فلا تتعرض لي واتركني وانئه عني ، أو فتنتهي عني لتعوذي ، وهذه الجملة كقول القائل : إن كنت مؤمنا فلا تظلمني .