معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَإِذۡ يَتَحَآجُّونَ فِي ٱلنَّارِ فَيَقُولُ ٱلضُّعَفَـٰٓؤُاْ لِلَّذِينَ ٱسۡتَكۡبَرُوٓاْ إِنَّا كُنَّا لَكُمۡ تَبَعٗا فَهَلۡ أَنتُم مُّغۡنُونَ عَنَّا نَصِيبٗا مِّنَ ٱلنَّارِ} (47)

قوله تعالى :{ وإذ يتحاجون في النار } أي : اذكر يا محمد لقومك إذ يختصمون ، يعني أهل النار في النار ، { فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا }ً أي الدنيا ، { فهل أنتم مغنون عنا نصيباً من النار } والتبع يكون واحداً وجمعاً في قول أهل البصرة ، واحده تابع ، وقال أهل الكوفة : هو جمع لا واحد له ، وجمعه أتباع .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَإِذۡ يَتَحَآجُّونَ فِي ٱلنَّارِ فَيَقُولُ ٱلضُّعَفَـٰٓؤُاْ لِلَّذِينَ ٱسۡتَكۡبَرُوٓاْ إِنَّا كُنَّا لَكُمۡ تَبَعٗا فَهَلۡ أَنتُم مُّغۡنُونَ عَنَّا نَصِيبٗا مِّنَ ٱلنَّارِ} (47)

والضمير في قوله : { يتحاجون } لجميع كفار الأمم ، وهذا ابتداء قصص لا يختص بآل فرعون ، والعامل في { إذ } ، فعل مضمر تقديره : واذكر . قال الطبري : { وإذ } هذه عطف على قوله : { إذ القلوب لدى الحناجر }{[10009]} وهذا بعيد .

قال القاضي أبو محمد : والمحاجة : التحاور بالحجة والخصومة .

و : { الضعفاء } يريد في القدر والمنزلة في الدنيا .


[10009]:من الآية (18) من هذه السورة.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَإِذۡ يَتَحَآجُّونَ فِي ٱلنَّارِ فَيَقُولُ ٱلضُّعَفَـٰٓؤُاْ لِلَّذِينَ ٱسۡتَكۡبَرُوٓاْ إِنَّا كُنَّا لَكُمۡ تَبَعٗا فَهَلۡ أَنتُم مُّغۡنُونَ عَنَّا نَصِيبٗا مِّنَ ٱلنَّارِ} (47)

يجوز أن يكون { إذ } معمولاً ل ( اذْكُرْ ) محذوففٍ فيكون عطفاً على جملة { وأنذرهم يوم الأزِفَةِ } ، والضميرُ عائداً إلى { الذِّينَ يجادلون في ءاياتت الله بِغَيْرِ سلطان } [ غافر : 35 ] وما بين هذا وذاك اعتراض واستطراد لأنها قصد منها عظة المشركين بمن سبقهم من الأمم المكذبين فلما استُوفي ذلك عاد الكلام إليهم . ويفيد ذلك صريحَ الوعيد للمشركين بعد أن ضُربت لهم الأمثال كما قال تعالى : { وللكافرين أمثالها } [ محمد : 10 ] ، وقد تكرر في القرآن موعظة المشركين بمثل هذا كقوله تعالى : { إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا } الآية في سورة [ البقرة : 166 ] ، وقوله : { قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذاباً ضعفاً من النار } الآية في سورة [ الأعراف : 38 ] .

( ويجوز أن تكون { وَإذْ يَتَحَآجُّونَ } عطفاً على جملة { ويوم تقوم الساعة ادخلوا ءالَ فرعونَ أشدَّ العذاب } [ غافر : 46 ] لأن ( إذْ ) و ( يومَ ) كليهما ظرف بمعنى ( حين ) ، فيكون المعنى : وحين تقوم الساعة يقال : أدخلوا آل فرعون أشدّ العذاب ، وحين يتحاج أهل النار فيقول الضعفاء الخ .

وقرن { فَيَقُولُ الضعفاء } بالفاء لإِفادة كون هذا القول ناشئاً عن تحاجّهم في النار مع كون ذلك دَالاً على أنه في معنى متعلَّق { إذ ، وهذا استعمال من استعمالات الفاء التي يسميها النحاة زائدة ، وأثبت زيادتها جماعة منهم الأخفش والفراء والأعلم وابن بَرهان ، وحكاه عن أصحابه البصريين . وضمير { يتحاجون } على هذا الوجه عائد إلى آل فرعون . ويفيد مع ذلك تعريضاً بوعيد المشركين كما هو مقتضى المماثلة المسوقة وضمير { يتحاجون } غير عائد إلى { ءَالَ فِرعونَ } [ غافر : 46 ] لأن ذلك يأباه قوله : { وقال الذين في النار لِخَزنة جهنم ادعوا ربكم } [ غافر : 49 ] وقوله : { أَوَلَمْ تَكُ تَأتيكم رُسُلكم بالبينات } [ غافر : 50 ] ولم يَأت آل فرعون إلا رسول واحد هو موسى عليه السلام فيعود ضمير { يتحاجون } إلى معلوم من المقام وهم أهل النار .

والتحاجّ : الاحتجاج من جانبين فأكثرَ ، أي إقامة كل فريق حجته وهو يقتضي وقوع خلاف بين المتحاجّين إذ الحجة تأييد لدعوى لدفع الشك في صحتها .

والضعفاء : عامة الناس الذين لا تصرُّف لهم في أمور الأمة . والذين استكبروا : سادة القوم ، أي الذين تكبروا كِبْراً شديداً ، فالسين والتاء فيه للمبالغة . وقول الضعفاء للكبراء هذا الكلامَ يحتمل أنه على حقيقته فهو ناشىء عما اعتادوه من اللجإ إليهم في مهمهم حين كانوا في الدنيا فخالوا أنهم يتولون تدبير أمورهم في ذلك المكان ولهذا أجاب الذين استكبروا بما يفيد أنهم اليوم سواء في العجز وعدم الحيلة فقالوا : { إنَّا كُلٌّ فِيهَآ } أي لو أغنينا عنكم لأغنينا عن أنفسنا .

وتقديم قولهم : { إنَّا كُنَّا لَكُم تبعَاً } على طلب التخفيف عنهم من النار ، مقدمة للطلب لقصد توجيهه وتعليله وتذكيرهم بالولاء الذي بينهم في الدنيا ، يلهمهم الله هذا القول لافتضاح عجز المستكبرين أن ينفعوا أتباعهم تحقيراً لهم جزاء على تعاظمهم الذي كانوا يتعاظمون به في الدنيا .

ويحتمل أن قول الضعفاء ليس مستعملاً في حقيقة الحث على التخفيف عنهم ولكنه مستعمل في التوبيخ ، أي كنتم تدعوننا إلى دين الشرك فكانت عاقبة ذلك أنا صرنا في هذا العذاب فهل تستطيعون الدفع عنا . وتأكيد { إنَّا كنا لكُم تَبَعاً } ب ( إنَّ ) للاهتمام بالخبر وليس لرد إنكار .

والتبع : اسم لمن يتبع غيره ، يستوي فيه الواحد والجمع ، وهو مثل خَدَم وَحَشَم لأن أصله مصدر ، فلذلك استوى فيه الواحد والجمع ، وقيل التَبَع : جمع لا يجري على الواحد ، فهو إذن من الجموع النادرة .

والاستفهام في قوله : { فَهَلْ أنتُم مُغْنُونَ } مستعمل في الحث واللوم على خذلانهم وترك الاهتمام بما هم فيه من عذاب .

وجيء بالجملة الاسمية الدالة على الثبات ، أي هل من شأنكم أنكم مغنون عنّا . و { مغنون } اسم فاعل من أغنى غناء بفتح الغين والمدّ ، أي فائدة وإجزاء .

والنصيب : الحَظ والحصة من الشيء ، قال تعالى : { للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون } إلى قوله : { نصيباً مفروضاً } [ النساء : 7 ] .

وقد ضمّن { مغنون } معنى دافعون ورادُّون ، فلذلك عُدي إلى مفعوللٍ وهو { نصيباً } أي جُزءاً من حر النار غير محدد المقدار من قوتها ، و { مِنَ النَّار } بيان ل { نَصِيباً } كقوله تعالى : { فهل أنتم مغنون عنا من عذاب اللَّه من شيء } [ إبراهيم : 21 ] فهم قانعون بكل ما يخفف عنهم من شدة حرّ النار وغير طامعين في الخروج منها . ويجوز أن يكون { مغنون } على معناه دون تضمين ويكون { نصيباً } منصوباً على المفعول المطلق لِمغنون والتقدير غَناء نصيباً ، أي غناء مَّا ولو قليلاً . و { منَ النَّارِ } متعلقاً ب { مغنون } كقوله تعالى : { وما أغني عنكم من اللَّه من شيء } [ يوسف : 67 ] . ويجوز أن يكون النصيب الجزءَ من أزمنة العذاب فيكون على حذف مضاف تقديره : من مُدة النار .

ولما كان جواب الذين استكبروا للذين استضعفوا جارياً في مجرى المحاورة جرّد فعل { قال } من حرف العطف على طريقة المحاورة كما تقدم غير مرة .