معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ءَاخِذِينَ مَآ ءَاتَىٰهُمۡ رَبُّهُمۡۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَبۡلَ ذَٰلِكَ مُحۡسِنِينَ} (16)

قوله تعالى : { وإن المتقين في جنات وعيون* آخذين ما آتاهم } أعطاهم ، { ربهم } من الخير والكرامة ، { إنهم كانوا قبل ذلك } قبل دخولهم الجنة ، { محسنين } في الدنيا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ءَاخِذِينَ مَآ ءَاتَىٰهُمۡ رَبُّهُمۡۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَبۡلَ ذَٰلِكَ مُحۡسِنِينَ} (16)

وقوله تعالى : { آخذين } نصب على الحال . وقرأ ابن أبي عبلة : «آخذون » بواو . وقال ابن عباس المعنى : { آخذين } في دنياهم { ما آتاهم ربهم } من أوامره ونواهيه وفرائضه وشرعه ، فالحال على هذا محكية وهي متقدمة في الزمان على كذبهم في جنات وعيون . وقال جماعة من المفسرين معنى قوله : { آخذين ما آتاهم ربهم } أي محصلين لنعم الله التي أعطاهم من جنته ورضوانه ، وهذه حال متصلة في المعنى بكونهم في الجنات . وهذا التأويل أرجح عندي لاستقامة الكلام به . وقوله : { قبل ذلك } يريد في الدنيا محسنين بالطاعة والعمل الصالح .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ءَاخِذِينَ مَآ ءَاتَىٰهُمۡ رَبُّهُمۡۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَبۡلَ ذَٰلِكَ مُحۡسِنِينَ} (16)

معنى { آخذين ما آتاهم ربهم } : أنهم قابلون ما أعطاهم ، أي راضون به فالأخذ مستعمل في صريحه وكنايته كناية رمزية عن كون ما يؤتَوْنه أكمل في جنسه لأن مدارك الجماعات تختلف في الاستجادة حتى تبلغ نهاية الجودة فيستوي الناس في استجادته ، وهي كناية تلويحية . وأيضاً فالأخذ مستعمل في حقيقته ومجازه لأن ما يؤتيهم الله بعضهم مما يُتناول باليد كالفواكه والشراب والرياحين ، وبعضه لا يتناول باليد كالمناظِر الجميلة والأصوات الرقيقة والكرامة والرضوان وذلك أكثر من الأول .

فإطلاق الأخذ على ذلك استعارة بتشبيه المعقول بالمحسوس كقوله تعالى : { خُذوا ما آتيناكم بقوة } في سورة البقرة ( 63 ) ، وقوله : { وأمرْ قَومَك يأخذوا بأحسنها } في سورة الأعراف ( 145 ) .

فاجتمع في لفظ { آخذين } كنايتان ومجاز . روى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم « أن الله تعالى يقول : يا أهل الجنة . فيقولون : لبيك ربنا وسعديك والخيرُ في يديك . فيقول : هل رضيتم ؟ فيقولون : وما لنا لا نرضى يا ربنا وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك فيقول : ألا أعطيكم أفضلَ من ذلك فيقولون : وأي شيء أفضل من ذلك ؟ فيقول : أحُلّ عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً » . وفي إيثار التعبير عن الجلالة بوصف ( ربّ ) مضاففٍ إلى ضمير المتقين معنى من اختصاصهم بالكرامة والإيماء إلى أن سبب ما آتاهم هو إيمانهم بربوبيته المختصة بهم وهي المطابقة لصفات الله تعالى في نفس الأمر .

وجملة { إنهم كانوا قبل ذلك محسنين } تعليل لجملة { إن المتقين في جنات وعيون } ، أي كان ذلك جزاء لهم عن إحسانهم كما قيل للمشركين { ذوقوا فتنتكم } [ الذاريات : 14 ] . والمحسنون : فاعلو الحسنات وهي الطاعات .

وفائدة الظرف في قوله : { قبلَ ذلك } أن يؤتى بالإشارة إلى ما ذكر من الجنات والعيون وما آتاهم ربهم مما لا عين رأتْ ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فيحصل بسبب تلك الإشارة تعظيم شأن المشار إليه ، ثم يفاد بقوله { قبل ذلك } ، أي قبل التنعم به أنهم كانوا محسنين ، أي عاملين الحسنات كما فسره قوله : { كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون } الآية . فالمعنى : أنهم كانوا في الدنيا مطيعين لله تعالى واثقين بوعده ولم يروه .