قوله تعالى : { ءاخذين ما ءاتاهم ربهم } فيه مسائل ولطائف ، أما المسائل :
فالأولى منها : ما معنى آخذين ؟ نقول فيه وجهان ( أحدهما ) قابضين ما آتاهم شيئا فشيئا ولا يستوفونه بكماله لامتناع استيفاء ما لا نهاية له . ( ثانيها ) آخذين قابلين قبول راض كما قال تعالى : { ويأخذ الصدقات } أي يقبلها ، وهذا ذكره الزمخشري وفيه ( وجه ثالث ) وهو أن قوله : { في جنات } يدل على السكنى فحسب وقوله : { ءاخذين } يدل على التملك ولذا يقال أخذ بلاد كذا وقلعة كذا إذا دخلها متملكا لها ، وكذلك يقال لمن اشترى دارا أو بستانا أخذه بثمن قليل أي تملكه ، وإن لم يكن هناك قبض حسا ولا قبول برضا ، وحينئذ فائدته بيان أن دخولهم فيها ليس دخول مستعير أو ضعف يسترد منه ذلك ، بل هو ملكه الذي اشتراه بماله ونفسه من الله تعالى وقوله : { ءاتاهم } يكون لبيان أن أخذهم ذلك لم يكن عنوة وفتوحا ، وإنما كان بإعطاء الله تعالى ، وعلى هذا الوجه { ما } راجعة إلى الجنات والعيون .
وقوله : { إنهم كانوا قبل ذلك محسنين } إشارة إلى ثمنها أي أخذوها وملكوها بالإحسان ، كما قال تعالى : { للذين أحسنوا الحسنى } بلام الملك وهي الجنة .
المسألة الثانية : { ءاخذين } حال وهو في معنى قول القائل يأخذون فكيف قال ما آتاهم ولم يقل ما يؤتيهم ليتفق اللفظان ، ويوافق المعنى لأن قوله : { ءاتاهم } ينبئ عن الانقراض وقوله : { يؤتيهم } تنبيه على الدوام وإيتاء الله في الجنة كل يوم متجدد ولا نهاية له ، ولاسيما إذا فسرنا الأخذ بالقبول ، كيف يصح أن يقال فلان يقبل اليوم ما آتاه زيد أمس ؟ نقول : أما على ما ذكرنا من التفسير لا يرد لأن معناه يتملكون ما أعطاهم ، وقد يوجد الإعطاء أمس ويتملك اليوم ، وأما على ما ذكروه فنقول الله تعالى أعطى المؤمن الجنة وهو في الدنيا غير أنه لم يكن جنى ثمارها فهو يدخلها على هيئة الآخذ وربما يأخذ خيرا مما أتاه ، ولا ينافي ذلك كونه داخلا على تلك الهيئة ، يقول القائل : جئتك خائفا فإذا أنا آمن وما ذكرتم إنما يلزم أن لو كان أخذهم مقتصرا على ما آتاهم من قبل ، وليس كذلك وإنما هم دخلوها على ذلك ولم يخطر ببالهم غيره فيؤتيهم الله ما لم يخطر ببالهم فيأخذون ما يؤتيهم الله وإن دخلوها ليأخذوا ما آتاهم ، وقوله تعالى : { إن أصحاب الجنة اليوم في شغل } هو أخذهم ما آتاهم وقد ذكرناه في سورة يس .
المسألة الثالثة : { ذلك } إشارة إلى ماذا ؟ نقول : يحتمل وجهين : ( أحدهما ) قبل دخولهم لأن قوله تعالى : { في جنات } فيه معنى الدخول يعني قبل دخولهم الجنة أحسنوا ( ثانيهما ) قبل إيتاء الله ما آتاهم الحسنى وهي الجنة فأخذوها ، وفيه وجوه أخر ، وهو أن ذلك إشارة إلى يوم الدين وقد تقدم وأما اللطائف فقد سبق بعضها ، ومنها أن قوله تعالى : { إن المتقين } لما كان إشارة إلى التقوى من الشرك كان كأنه قال الذين آمنوا لكن الإيمان مع العمل الصالح يفيد سعادتين ، ولذلك دلالة أتم من قول القائل أنهم أحسنوا . ( اللطيفة الثانية ) أما التقوى فلأنه لما قال لا إله فقد اتقى الشرك ، وأما الإحسان فلأنه لما قال إلا الله فقد أتى بالإحسان ، ولهذا قيل في معنى كلمة التقوى إنها لا إله إلا الله وفي الإحسان قال تعالى : { ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله } وقيل في تفسير { هل جزاء الإحسان إلا الإحسان } إن الإحسان هو الإتيان بكلمة لا إله إلا الله وهما حينئذ لا يتفاصلان بل هما متلازمان .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.