السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{ءَاخِذِينَ مَآ ءَاتَىٰهُمۡ رَبُّهُمۡۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَبۡلَ ذَٰلِكَ مُحۡسِنِينَ} (16)

وقوله تعالى : { آخذين } حال من الضمير في خبر إن . وقوله تعالى : { وما آتاهم ربهم } أي المحسن إليهم المدبر لهم بتمام علمه وشامل قدرته إن كان مما في الجنة فتكون حالاً حقيقية وإن كان مما آتاهم من أمره ونهيه في الدنيا فتكون حالاً محكية لاختلاف الزمانين .

تنبيه : اعلم أن الله تعالى وحد الجنة تارة قال تعالى : { مثل الجنة } [ الرعد : 35 ] وأخرى جمعها كقوله تعالى هنا : { إنّ المتقين في جنات } وتارة ثناها قال تعالى : { ولمن خاف مقام ربه جنتان } [ الرحمن : 46 ]

والحكمة فيه أنّ الجنة في توحيدها لاتصال المنازل والأشجار والأنهار كجنة واحدة ، وأما جمعها فإنها بالنسبة إلى الدنيا وبالإضافة إليها جنات لا يحصرها عدد وأما تثنيتها فسيأتي الكلام عليها إن شاء الله تعالى في سورة الرحمن وهو قوله تعالى : { ولمن خاف مقام ربه جنتان } [ الرحمن : 46 ] فقيل : جنة لخوفه من ربه ، وجنة لتركه شهوته ، وقيل جنة لخائف الإنس وجنة لخائف الجن فيكون من باب التوزيع قال الرازي : غير أنا نقول هاهنا إنّ الله تعالى عند الوعد وحد الجنة وكذلك عند الشراء فقال تعالى { إنّ الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة } [ التوبة : 111 ] وعند الإعطاء جمعها إشارة إلى أن الزيادة في الوعد موجودة بخلاف ما لو وعد بجنات ثم يقول إنه في جنة لأنه دون الموعود .

ومعنى آخذين : قابضين ما آتاهم شيئاً فشيئاً ولا يستوفونه بكماله لامتناع استيفاء ما لا نهاية له وقيل : قابلين قبول رضا كقوله تعالى { ويأخذ الصدقات } [ التوبة : 104 ] أي يقبلها قاله الزمخشريّ وقوله تعالى : { ويأخذ الصدقات إنهم كانوا قبل ذلك محسنين } إشارة إلى أنهم أخذوها بثمنها وملكوها بالإحسان في الدنيا ، والإشارة بذلك إما لدخول الجنة وإما لإيتاء الله تعالى وإمّا ليوم الدين والإحسان يكون في معاملة الخالق والخلائق وقيل : هو قول لا إله إلا الله ولهذا قيل . في معنى كلمة التقوى : إنها لا إله إلا الله وفي قوله تعالى : { ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله } [ فصلت : 33 ] وقوله تعالى : { هل جزاء الإحسان إلا الإحسان } [ الرحمن : 60 ]

هو الإتيان بكلمة لا إله إلا الله . ثم فسر إحسانهم معبراً عنه بما هو في غاية المبالغة بقوله تعالى : { كانوا قليلا من الليل ما يهجون } .