معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ٱقۡرَأۡ وَرَبُّكَ ٱلۡأَكۡرَمُ} (3)

{ اقرأ } كرره تأكيداً ، ثم استأنف فقال : { وربك الأكرم } فقال الكلبي : الحليم عن جهل العباد لا يعجل عليهم بالعقوبة .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ٱقۡرَأۡ وَرَبُّكَ ٱلۡأَكۡرَمُ} (3)

ولما كان أول الواجبات معرفة الله سبحانه وتعالى نزل أولا ما يدل على وجوده وفرط قدرته وكمال حكمته( اقرأ ) تكرير للمبالغة ، أو الأول مطلق والثاني للتبليغ ، أو في الصلاة ، ولعله لما قيل له : ( اقرأ باسم ربك ) فقال : ما أنا بقارئ فقيل له : ( اقرأ وربك الأكرم ) الزائد في الكرم على كل كريم ، فإنه سبحانه وتعالى ينعم بلا عوض ، ويحلم من غير تخوف ؛ بل هو الكريم وحده على الحقيقة .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ٱقۡرَأۡ وَرَبُّكَ ٱلۡأَكۡرَمُ} (3)

{ اقرأ }

وفعل { اقرأ } الثاني تأكيد ل { اقرأ } الأول للاهتمام بهذا الأمر .

{ وَرَبُّكَ الأكرم } .

جملة معطوفة على جملة : { اقرأ باسم ربك } فلها حكم الاستئناف ، و { ربك } مبتدأ وخبره إما { الذي علم بالقلم } وإما جملة : { علم الإنسان ما لم يعلم } . وهذا الاستئناف بياني .

فإذا نظرتَ إلى الآية مستقلة عما تضمنه حديث عائشة في وصف سبب نزولها كان الاستئناف ناشئاً عن سؤال يجيش في خاطر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقول : كيف أقرأ وأنا لا أحسن القراءة والكتابة ، فأجيب بأن الذي علم القراءة بواسطة القلم ، أي بواسطة الكتابة يعلمك ما لم تعلم .

وإذا قرنت بين الآية وبين الحديث المذكور كان الاستئناف جواباً عن قوله لجبريل : « ما أنا بقارىء » فالمعنى : لا عجب في أن تقرأ وإن لم تكن من قبل عالماً بالقراءة إذ العلم بالقراءة يحصل بوسائل أخرى مثل الإِملاء والتلقين والإِلهام وقد علم الله آدم الأسماء ولم يكن آدم قارئاً .

ومقتضى الظاهر : وعَلَّم بالقلم . فعُدل عن الإِضمار لتأكيد ما يشعر به { ربّك } من العناية المستفادة من قوله : { اقرأ باسم ربك } وأن هذه القراءة شأن من شؤون الرب اختص بها عبدَه إتماماً لنعمة الربوبية عليه .

وليجري على لفظ الرب وصفُ الأكرم .

ووصف { الأكرم } مصوغ للدلالة على قوة الاتصاف بالكرم وليس مصوغاً للمفاضلة فهو مسلوب المفاضلة .

والكرم : التفضل بعطاء ما ينفع المعطَى ، ونعم الله عظيمة لا تُحصى ابتداء من نعمة الإِيجاد ، وكيفية الخلق ، والإِمداد .

وقد جمعت هذه الآيات الخمسُ من أول السورة أصول الصفات الإلهية فوَصفُ الرب يتضمن الوجود والوحدانية ، ووصف { الذي خلق } ووصف { الذي علم بالقلم } يقتضيان صفات الأفعال ، مع ما فيه من الاستدلال القريب على ثبوت ما أشير إليه من الصفات بما تقتضيه الموصولية من الإِيماء إلى وجه بناء الخبر الذي يذكر معها . ووصف { الأكرم } يتضمن صفات الكمال والتنزيه عن النقائص .

ومفعولا { علم بالقلم } محذوفان دل عليهما قوله : { بالقلم } وتقديره : علّم الكاتبين أو علّم ناساً الكتابة ، وكان العرب يعظمون علم الكتابة ويعدونها من خصائص أهل الكتاب كما قال أبو حية النُّميري :

كما خُطّ الكتابُ بكفِّ يَوماً *** يَهُودِيَ يقارِب أو يُزيل

ويتفاخر من يعرف الكتابة بعِلمه وقال الشاعر :

تعلّمْتُ بَاجَاد وآل *** مُرَامِرٍ وسوَّدت أثوابي ولستُ بكاتب

وذُكر أن ظهور الخط في العرب أول ما كان عند أهل الأنبار ، وأدخل الكتابة إلى الحجاز حربُ بن أمية تعلمه من أسْلم بن سدرة وتعلمه أسلم من مُرامِر بن مُرة وكان الخط سابقاً عند حمير باليمن ويسمى المُسْنَد .

وتخصيص هذه الصلة بالذكر وجعلُها معترضة بين المبتدإ والخبر للإِيماء إلى إزالة ما خطر ببال النبي صلى الله عليه وسلم من تعذر القراءة عليه لأنه لا يعلم الكتابة فكيف القراءةُ إذْ قال للملك : « ما أنا بقارىء » ثلاث مرات ، لأن قوله : " ما أنا بقارىء " اعتذار عن تعذر امتثال أمره بقوله : { اقرأ } ؛ فالمعنى أن الذي علّم الناس الكتابة بالقلم والقراءة قادر على أن يعلمك القراءة وأنت لا تعلم الكتابة .