معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦ مَنَامُكُم بِٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱبۡتِغَآؤُكُم مِّن فَضۡلِهِۦٓۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَسۡمَعُونَ} (23)

قوله تعالى : { ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله } أي : منامكم بالليل وابتغاؤكم من فضله بالنهار ، أي : تصرفكم في طلب المعيشة ، { إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون } سماع تدبر واعتبار .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦ مَنَامُكُم بِٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱبۡتِغَآؤُكُم مِّن فَضۡلِهِۦٓۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَسۡمَعُونَ} (23)

{ وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ } أي : ومن الآيات ما جعل لكم من صفة النوم في الليل والنهار ، فيه تحصل الراحة وسكون الحركة ، وذهاب الكلال والتعب ، وجعل لكم الانتشار والسعي في الأسباب والأسفار في النهار ، وهذا ضد النوم ، { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ } أي : يعون .

قال الطبراني : حدثنا حجاج بن عمران السدوسي ، حدثنا عمرو بن الحصين العقيلي ، حدثنا محمد بن عبد الله بن عُلاثة ، حدثني ثور بن يزيد ، عن خالد بن مَعْدان ، سمعت عبد الملك بن مروان يحدث عن أبيه{[22800]} ، عن زيد بن ثابت ، رضي الله عنه ، قال : أصابني أرق من الليل ، فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " قل : اللهم غارت النجوم ، وهدأت العيون ، وأنت حي قيوم ، يا حي يا قيوم ، [ أنم عيني و ]{[22801]} أهدئ ليلي " فقلتها فذهب عني{[22802]} .


[22800]:- في ت: "وروى الطبراني بإسناده".
[22801]:- زيادة من ت، ف، ومعجم الطبراني.
[22802]:- المعجم الكبير (5/124) ورواه ابن السني في عمل اليوم والليلة برقم (745) وابن عدي في الكامل (5/150) من طريق عمرو بن الحصين به، وقال ابن عدي: "تفرد به عمرو بن الحصين وهو مظلم الحديث، ويروي عن قوم معروفين". وله شاهد من حديث أنس، حسنه الحافظ ابن حجر كما في الفتوحات الربانية لابن علان (3/177).
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦ مَنَامُكُم بِٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱبۡتِغَآؤُكُم مِّن فَضۡلِهِۦٓۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَسۡمَعُونَ} (23)

{ ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله } منامكم في الزمنين لاستراحة القوى النفسانية وتقوي القوى الطبيعية وطلب معاشكم فيها ، أو منامكم بالليل وابتغاؤكم بالنهار فلف وضم بين الزمانين والفعلين بعاطفين إشعارا بأن كلا من الزمانين وإن اختص بأحداهما فهو صالح للآخر عند الحاجة ، ويؤيده سائر الآيات الواردة فيه . { إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون } سماع نفهم واستبصار فإن الحكمة فيه ظاهرة .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦ مَنَامُكُم بِٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱبۡتِغَآؤُكُم مِّن فَضۡلِهِۦٓۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَسۡمَعُونَ} (23)

هذه آية رابعة وهي كائنة في أعراض من أعراض الناس لا يخلو عنها أحد من أفرادهم ، إلا أنها أعراض مفارقة غير ملازمة فكانت دون الأعراض التي أقيمت عليها الآية الثالثة ولذلك ذكرت هذه الآية بعدها .

وحالة النوم حالة عجيبة من أحوال الإنسان والحيوان إذ جعل الله له في نظام أعصاب دماغه قانوناً يستردّ به قوة مجموعه العصَبي بعد أن يعتريه فشل الإعياء من إعمال عقله وجسده فيعتريه شبه موت يخدر إدراكه ولا يعطل حركات أعضائه الرئيسية ولكنه يثبطها حتى يبلغ من الزمن مقداراً كافياً لاسترجاع قوته فيفيق من نومته وتعود إليه حياته كاملة ، وقد تقدم ذلك عند قوله تعالى { لا تأخذه سنة ولا نوم } في سورة البقرة ( 255 ) . والمنَام مصدر ميمي للنوم أو هو اسم مصدر .

وقوله { بالليل والنهار } متعلق ب { منامكم . } والباء للظرفية بمعنى ( في ) فالناس ينامون بالليل ومنهم من ينام بالنهار في القائلة وبخاصة أهل الأعمال المضنية إذا استراحوا منها في منتصف النهار خصوصاً في البلاد الحارة أو في فصل الحر .

والابتغاء من فضل الله : طلب الرزق بالعمل لأن فضل الله الرزق ، وجعل هذا كناية عن الهبوب إلى العمل لأن الابتغاء يستلزم الهبوب من النوم ، وذلك آية أخرى لأنه نشاط القوة بعد أن خارت وفشلت . ولكون ابتغاء الرزق من خصائص النهار أطلق هنا فلم يقيد بالليل والنهار . ولك أن تجعل عدم تقييده بمثل ما قيد به { منامكم } للاستغناء بدلالة القيد الذي قبله بتقدير : وابتغاؤكم من فضله فيهما ، وقد تكلف صاحب « الكشاف » فجعل الكلام من قبيل اللف والنشر ؛ على أن اللف وقع فيه تفريق ، ووجَّهه محشيِّه القزويني بأن التقديم للاهتمام بآية الليل والنهار .

وقد جعلت دلالات المنام والابتغاء من فضل الله { لقوم يسمعون لوجهين : أحدهما : أن هذين حالتان متعاورتان على الناس قد اعتادوهما فقلَّ من يتدبر في دلالتهما على دقيق صنع الله تعالى ؛ فمعظم الناس في حاجة إلى من يوقفهم على هذه الدلالة ويرشدهم إليها . وثانيهما : أن في ما يسمعه الناس من أحوال النوم ما هو أشد دلالة على عظيم صنع الله تعالى مما يشعر به صاحبُ النوم من أحوال نومه ، لأن النائم لا يعرف من نومه إلا الاستعداد له وإلا أنه حين يهُبّ من نومه يعلم أنه كان نائماً ؛ فأما حالة النائم في حين نومه ومقدار تنبهه لمن يوقظه ، وشعوره بالأصوات التي تقع بقربه ، والأضواء التي تنتشر على بصره فتنبهه أو لا تنبهه ، كل ذلك لا يتلقاه النائم إلا بطريق الخبر من الذين يكونون أيقاظاً في وقت نومه . فطريق العلم بتفاصيل أحوال النائمين واختلافها السمع ، وقد يشاهد المرء حال نوم غيره إلا أن عبرته بنومه الخاص به أشد ، فطريق السمع هو أعم الطرق لمعرفة تفاصيل أحوال النوم ، فلذلك قيل { لقوم يسمعون . } وأيضاً لأن النوم يحول دون الشعور بالمسموعات بادىء ذي بدء قبل أن يحول دون الشعور بالمبصرات .

وأجريت صفة { يسمعون } على { قوم } للإيماء إلى أن السمع متمكّن منهم حتى كأنه من مقومات قوميتهم كما تقدم في قوله تعالى { لآيات لقوم يعقلون } في سورة البقرة ( 164 ) . ووجه جعل ذلك آيات لما ينطوي عليه من تعدد الدلالات بتعدد المستدلين وتولد دقائق تلك الآية بعضها عن بعض كما تقدم آنفاً .

ومعنى اللام في قوله { لقوم يسمعون } كما تقدم في معناه عند قوله { إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون } [ الروم : 21 ] .