نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦ مَنَامُكُم بِٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱبۡتِغَآؤُكُم مِّن فَضۡلِهِۦٓۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَسۡمَعُونَ} (23)

ولما ذكر المقلة والمظلة ومن فيهما ، وبعض صفاتهم اللازمة ، ذكر ما ينشأ عن كل من ذلك من الصفات المفارقة فقال : { ومن آياته } أي على{[52878]} ذلك وغيره من أنواع القدرة والعلم { منامكم } أي نومكم ومكانه وزمانه الذي يغلبكم بحيث لا تستطيعون {[52879]}له دفعاً{[52880]} .

ولما كان الليل محل السكن والراحة والنوم ، ذكر ما جعل من نوم النهار أيضاً لأن ذلك أدل على الفعل بالاختيار فقال : { بالّيل والنهار } أي الناشئين عن السماوات والأرض باختلاف الحركات التي لا تنشأ إلا عن فاعل مختار وانقطاعكم بالنوم عن معاشكم وكل ما يهمكم{[52881]} وقيامكم بعد منامكم أمراً قهرياً لا تقدرون على الانفكاك عن واحد{[52882]} منهما أصلاً { وابتغاؤكم } أي طلبكم{[52883]} بالجد والاجتهاد { من فضله } بالمعاش فيهما ، فالآية من الاحتباك : دل ذكر النوم على القيام منه ، ودل{[52884]} الابتغاء على الانقطاع عنه ، حذف نهاية الأول وبداية الثاني { إن في ذلك } أي الأمر العظيم العالي{[52885]} الرتبة من إيجاد النوم بعد النشاط ، والنشاط بعد النوم الذي هو الموت الأصغر ، وإيجاد كل من الملوين بعد إعدامهما ، والجد في الابتغاء مع المفاوتة في التحصيل { لآيات } أي عديدة على القدرة والحكمة لا سيما البعث .

ولما كانت{[52886]} هذه الآيات في دلالتها على ما تشير إليه من البعث والفعل بالاختيار دقيقة لا يستقل العقل{[52887]} بها دون توقيف من الدعاة لأنه قد يسند{[52888]} النوم والابتغاء إلى العباد ولا يتجاوز عن ذلك إلى الخالق إلا الأفراد من خلص العباد ، وكان النائم يقوم صافي الذهن فارغ السر نشيط البدن . قال : { لقوم يسمعون* } أي{[52889]} من الدعاة النصحاء سماع من انتبه من نومه فجسمه مستريح نشيط وقلبه فارغ عن مكدر للنصح مانع من قبوله ، أو المعنى : لقوم هم أهل للسمع بأن يكونوا قد تنبهوا{[52890]} من رقادهم ، فرجعوا عن عنادهم ، إشارة إلى أن من لم يتأمل في هذه الآيات فهو نائم لا مستيقظ . فهو غير متأهل لأن يسمع .


[52878]:زيد من ظ ومد.
[52879]:من ظ ومد، وفي الأصل: به رفعا.
[52880]:من ظ ومد، وفي الأصل: به رفعا.
[52881]:زيد من ظ ومد.
[52882]:في ظ ومد: أحد.
[52883]:في ظ: طلابكم.
[52884]:من ظ ومد، وفي الأصل: ذكر.
[52885]:في ظ ومد: العلي.
[52886]:سقط من ظ.
[52887]:سقط من ظ.
[52888]:من ظ ومد، وفي الأصل: يشتد.
[52889]:سقط من ظ.
[52890]:في ظ ومد: انتبهوا.