اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦ مَنَامُكُم بِٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱبۡتِغَآؤُكُم مِّن فَضۡلِهِۦٓۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَسۡمَعُونَ} (23)

قوله : { وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بالليل والنهار } لما ذكر الأعراض اللازمة وهي الاختلاف ذكر الأعراض المفارقة ومن جملتها النوم بالليل والحركة بالنهار طلباً للرزق ( و{[41920]} ) قيل : في الآية تقديم وتأخير ليكون كل واحد مع ما يلائمه ، والتقدير ومن آياته منامكم بالليل وابتغاؤكم من فضله بالنهار ، فحذف حرف الجر لاتصاله بالليل ، وعطفه عليه لأن حرف العطف{[41921]} قد يقوم مَقَامَ الجَارِّ ، والأحسن أن يجعل على حاله .

والنوم بالنهار مما كانت العرب تَعُدُّه نعمةً من الله ، ولا سيما في أوقات القَيْلُولَةِ في البلاد الحارة ، وقوله : { وابتغاؤكم مِن فَضْلِهِ } أي منهما{[41922]} فإن كثيراً ما{[41923]} يكتسب الإنسان بالليل ، ويدل على الأول قوله تعالى : { وَجَعَلْنَا آيَةَ النهار مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِِن رَبِّكم } [ الإسراء : 12 ] وقوله تعالى : { وَجَعَلْنَا الليل لِبَاساً وَجَعَلْنَا النهار مَعَاشاً } [ النبأ : 10 - 11 ] ، ثم قال : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ } سماع تدبير واعتبار وقال ههنا : «لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ » ومن قبل : «لقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ » وقال : «لِلْعَالَمِينَ » لأن المنام بالليل ، والابتغاء{[41924]} يظّن الجاهل أو الغافل أنهما مما يقتضيه طبع الحيوان فلا يظهر لكل أحد كونهما من نعم الله ، فلم يقل آياتٍ للعالمين ، ولأن الأمرين الأولين وهو اختلاف الألسن{[41925]} والألوان من اللوازم والمنام والابتغاء من الأمور المفارقة فالنظر إليهما لا يدوم لزوالهما في بعض الأوقات ولا كذلك اختلاف الألسنة والألوان فإنهما يدومان بدَوَام الإنسان فجعلهما آيات عامة ، وأما قوله : «لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ » فإن من الأشياء ما يعلم من غير تفكر ، ومنها ما يكفي فيه مُجَرَّدُ الفكرة ، ومنها ما يحتاج بعض الناس في تفهمه إلى مثل حسيّة{[41926]} كالأشكال الهندسية ، لأن خلق الأرواح لا تقع لأحد أنه بالطبع إلا إذا كان{[41927]} جامد الفكرة ، فإذا تفكر علم كون ذلك الخلق آية ، وأما المنام والابتغاء فقد يقع لكثير أنهما من أفعال العباد ، وقد يحتاج إلى مرشد بغير فكرة فقال : «لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ » ويجعلون بالهم من كلام المرشد .


[41920]:زائد من "ب".
[41921]:انظر: الدر المصون 4/318: 320، والقرطبي 14/18، والبحر المحيط 7/167.
[41922]:في "ب" فيهما.
[41923]:في "ب" مما.
[41924]:في "ب" والإيقاظ بالنهار لا يظن.
[41925]:في "ب" الألسنة.
[41926]:في "ب" أمثلة حسنة.
[41927]:في "ب" إلا إذا يكون جامدة الفكرة.