معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا سَنَسۡتَدۡرِجُهُم مِّنۡ حَيۡثُ لَا يَعۡلَمُونَ} (182)

قوله تعالى : { والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون } ، قال عطاء : سنمكر بهم من حيث لا يعلمون ، وقيل : نأتيهم من مأمنهم ، كما قال : { فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا } [ الحشر : 2 ] ، قال الكلبي : يزين لهم أعمالهم ويهلكهم . وقال الضحاك : كلما جددوا معصيةً جددنا لهم نعمة ، قال سفيان الثوري : نسبغ عليهم النعمة ، وننسيهم الشكر . قال أهل المعاني : الاستدراج أن يتدرج الشيء في خفية قليلاً قليلاً ، فلا يباغت ، ولا يجاهر ، ومنه درج الصبي إذا قارب بين خطاه في المشي ، ومنه درج الكتاب إذا طواه شيئاً بعد شيء .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا سَنَسۡتَدۡرِجُهُم مِّنۡ حَيۡثُ لَا يَعۡلَمُونَ} (182)

يقول تعالى : { وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ } ومعناه : أنه يفتح لهم أبواب الرزق ووجوه المعاش في الدنيا ، حتى يغتروا بما هم فيه ويعتقدوا{[12434]} أنهم على شيء ، كما قال تعالى : { فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [ الأنعام : 44 ، 45 ] ؛


[12434]:في أ: "ويعتقدون".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا سَنَسۡتَدۡرِجُهُم مِّنۡ حَيۡثُ لَا يَعۡلَمُونَ} (182)

{ والذين كذّبوا بآياتنا سنستدرجهم } سنستدنيهم إلى الهلاك قليلا قليلا ، وأصل الاستدراج الاستصعاد أو الاستنزال درجة بعد درجة . { من حيث لا يعلمون } ما نريد بهم وذلك أن تتواتر عليهم النعم فيظنوا أنها لطف من الله تعالى بهم ، فيزدادوا بطرا وانهماكا في الغي حتى يحق عليهم كلمة العذاب .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا سَنَسۡتَدۡرِجُهُم مِّنۡ حَيۡثُ لَا يَعۡلَمُونَ} (182)

والذين كذبوا بالآيات هم المشركون الذين كذبوا بالقرآن ، وقد تقدم وجه تعدية فعل التكذيب بالباء ؛ ليدل على معنى الإنكار عند قوله تعالى : { قل إني على بينةٍ من ربي وكذبتم به } في سورة الأنعام ( 57 ) .

والاستدراج مشتق من الدّرَجة بفتحتين وهي طبقة من البناء مرتفعة من الأرض بقدر ما ترتفع الرِّجْل للارتقاء منها إلى ما فوقها تيسيراً للصعود في مثل العلو أو الصومعة أو البرج ، وهي أيضاً واحدة الأعواد المصفوفة في السلم يرتقى منها إلى التي فوقها ، وتسمى هذه الدرجة مرقاة ، فالسين والتاء في فعل الاستدراج للطلب ، أي طلب منه أن يتدرج ، أي صاعداً أو نازلاً ، والكلام تمثيل لحال القاصد إبدال حال أحد إلى غيرها بدون إشعاره ، بحال من يطلب من غيره أن ينزل من درجة إلى أخرى بحيث ينتهي إلى المكان الذي لا يستطيع الوصول إليه بدون ذلك ، وهو تمثيل بديع يشتمل على تشبيهات كثيرة ، فإنه مبني على تشبيه حُسن الحال برفعة المكان وضده بسفالة المكان ، والقرينة تعيّن المقصود من انتقال إلى حال أحسن أو أسوا .

ومما يشير إلى مراعاة هذا التمثيل في الآية قوله تعالى : { من حيث لا يعلمون } ولما تضمن الاستدراج معنى الإيصال إلى المقصود علق بفعله مجرور بمن الابتدائية أي مبتدئاً استدراجهم من مكان لا يعلمون أنه مفض بهم إلى المبلغ الضار ، ف { حيث } هنا للمكان على أصلها ، أي من مكان لا يعلمون ما يفضي إليه ، وحذف مفعول يعلمون لدلالة الاستدراج عليه ، والتقدير : لا يعلمون تدرجه ، وهذا مؤذن بأنه استدراج عظيم لا يظن بالمفعول به أن يتفطن له .