فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا سَنَسۡتَدۡرِجُهُم مِّنۡ حَيۡثُ لَا يَعۡلَمُونَ} (182)

ثم لما بين حال هذه الأمة الصالحة بين حال من يخالفهم فقال : { والذين كذبوا بآياتنا } يريد به جميع المكذبين بآيات الله وهم الكفار وقيل المراد بهم أهل مكة والأول أولى ، لأن صيغة العموم تتناول الكل إلا ما دل الدليل على خروجه منه { سنستدرجهم من حيث لا يعلمون } الاستدراج هو الأخذ بالتدريج منزلة بعد منزلة والدرج كف الشيء يقال أدرجته ودرجته ومنه إدراج الميت في أكفانه وقيل هو من الدرجة فالاستدراج أن يخطو درجة بعد درجة إلى المقصود ، ومنه درج الصبي إذا قارب بين خطاه ، وأدرج الكتاب طواه شيئا بعد شيء ، ودرج القوم مات بعضهم في إثر بعض .

والمعنى سنستدنيهم قليلا قليلا إلى ما يهلكهم وذلك بإدرار النعم عليهم وإنسائهم شكرها فينهمكون في الغواية ويتنكبون طرق الهداية لاغترارهم بذلك وأنه لم يحصل لهم إلا بما لهم عند الله من المنزلة والزلفة .

قال الأزهري : سنأخذهم قليلا قليلا من حيث لا يحتسبون ، وقال السدي سنأخذهم من حيث لا يعلمون ، قال عذاب بدر : وعن يحيى بن المنى قال كلما أحدثوا ذنبا جددنا لهم نعمة تنسيهم الاستغفار ، وبه قال الضحاك وقال سفيان : نسبغ عليهم النعمة ونمنعهم شكرها ، وعن ثابت البناني أنه سئل عن الاستدراج فقال : ذلك مكر الله بالعباد المضيعين ، قال الكلبي : نزين أعمالهم ثم نهلكهم بها روي أن عمر بن الخطاب لما حمل إليه كنوز كسرى ، قال : اللهم إني أعوذ بك أن أكون مستدرجا فإني سمعتك تقول سنستدرجهم من حيث لا يعلمون .