اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا سَنَسۡتَدۡرِجُهُم مِّنۡ حَيۡثُ لَا يَعۡلَمُونَ} (182)

قوله تعالى : { والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم } الآية .

والذين فيه وجهان : أظهرهما : أنه مبتدأ ، وخبره الجملة الاستقبالية بعده .

والثاني : أنه منصوب على اشتغال بفعل مقدر تقديره : سنستدرج الذين كذبوا ، والاستدراج التقريب منزلة منزلة ، والأخذ قليلا قليلا من الدرج ، لأن الصاعد يرقى درجة درجة وكذلك النازل .

وقيل : هو مأخوذ من الدرج وهو الطي ، ومنه درج الثوب : طواه ، ودرج الميت مثله ، والمعنى : تطوى آجالهم .

وقرأ النخعي{[17040]} وابن وثاب : سنستدرجهم بالياء ، فيحتمل أن يكون الفاعل الباري تعالى وهو التفات من المتكلم إلى الغيبة ، وأن يكون الفاعل ضمير التكذيب المفهوم من قوله : " كذبوا " وقال الأعشى في الاستدراج : [ الطويل ]

فلو كنت في جب ثمانين قامة *** ورقيت أسباب السماء بسلم

ليستدرجنك القول حتى تهره *** وتعلم أني عنكم غير مفحم{[17041]}

فصل

ويقال : درج الصبي : إذا قارب بين خطاه ، ودرج القوم : مات بعضهم إثر بعض .

فصل

لما ذكر حال الأمة الهادية العادلة ، أعاد ذكر المكذبين بآيات الله تعالى فقال : { والذين كذبوا بآياتنا } وهذا يعم كل مكذب ، وعن ابن عباس : المراد أهل مكة{[17042]} ، وهو بعيد .

وقال عطاء : سنمكر بهم ، وقيل : نأتيهم من مأمنهم كقوله : { فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا } [ الحشر : 2 ] .

وقال الكلبي : نزين لهم أعمالهم لتهلكهم . وقال الضحاك كلما جددوا معصية جددنا نعمة .

وقال سفيان الثوري : نسبغ عليهم النعم ثم نسلبهم الشكر من حيث لا يعلمون ما يراد بهم ، ثم يأخذهم الله دفعة واحدة على غرتهم أغفل ما يكون ولهذا قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه- لما حمل إليه كنوز كسرى اللهم إني أعوذ بك أن أكون مستدرجا ، فإني سمعتك تقول : " سنستدرجهم من حيث لا يعلمون " .


[17040]:ينظر: المحرر الوجيز 2/482، والبحر المحيط 4/429، والدر المصون 3/376.
[17041]:ينظران في ديوانه 182، والكشاف 2/133، الكتاب 2/28 مجاز القرآن 1/302، ابن يعيش 2/74، الجامع لأحكام القرآن 9/132، التهذيب 1/646، اللسان: سبب، درج، الدر المصون 3/376.
[17042]:ذكره القرطبي في تفسيره (7/209).