السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا سَنَسۡتَدۡرِجُهُم مِّنۡ حَيۡثُ لَا يَعۡلَمُونَ} (182)

{ والذين كذبوا بآياتنا } أي : القرآن أو غيره من أهل مكة أو غيرهم { سنستدرجهم } أي : سنستدنيهم إلى الهلاك قليلاً قليلاً ، وأصل الاستدراج الاستبعاد والاستنزال درجة بعد درجة { من حيث لا يعلمون } أي : سنأخذهم قليلاً قليلاً من حيث لا يحتسبون ، وذلك أنّ الله تعالى يفتح عليهم من النعم ما يغبطون به ويركنون إليه ، ثم يأخذهم على غرّة أغفل ما يكونون .

وقيل : سنقرّبهم إلى ما يهلكهم ونضاعف عقابهم من حيث لا يعلمون ما يراد بهم ؛ لأنهم كانوا إذا أتوا بذنب فتح الله تعالى عليهم من أبواب الخير والنعمة في الدنيا ، فيزدادوا بذلك تمادياً في الغيّ والضلالة ويتدرجوا في الذنوب والمعاصي بسبب ترادف النعم يظنون أن تواتر النعم يقرب من الله تعالى ، وإنما هي خذلان منه وتبعيد ، فهو استدراج الله تعالى فيأخذهم الله تعالى أخذة واحدة أغفل ما يكونون عليه ، وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما حمل إليه كنوز كسرى قال : اللهمّ إني أعوذ بك أن أكون مستدرجاً فإني سمعتك تقول : { سنستدرجهم من حيث لا يعلمون } .