الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا سَنَسۡتَدۡرِجُهُم مِّنۡ حَيۡثُ لَا يَعۡلَمُونَ} (182)

قوله تعالى : { وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ } : يجوز فيه وجهان ، أظهرهما : أنه مبتدأ وخبره الجملة الاستقبالية بعده . والوجه الثاني : أنه منصوب على الاشتغال بفعلٍ مقدَّرٍ تقديرُه : سنستدرج الذين كذَّبوا والاستدراج : التقريبُ منزلةً منزلةً والأخذ قليلاً قليلاً ، من الدَّرَج لأن الصاعد يرقى درجةً درجة وكذلك النازل . وقيل : هو مأخوذ من الدَّرْج وهو الطيّ ومنه : " دَرَجَ الثوبَ " : طواه ، و " دَرَجَ الميتَ " مثله . والمعنى : تُطوى آجالهم .

وقرأ النخعي وابن وثاب : " سَيَسْتَدْرِجُهم " بالياء ، فيحتمل أن يكون الفاعلُ الباريَ تعالى ، وهو التفاتٌ من التكلم إلى الغيبة ، وأن يكون الفاعلُ ضميرَ التكذيب المفهوم مِنْ قوله " كذَّبوا " . وقال الأعشى في الاستدراج :

فلو كنتَ في جُبٍّ ثمانين قامةً *** ورُقِّيْتَ أسبابَ السماءِ بسُلَّمِ

لَيَسْتَدْرِجَنْكَ القولُ حتى تَهِرَّهُ *** وتَعْلَمَ أنِّي عنكمُ غيرُ مُلْجَمِ

ويقال : " دَرَجَ الصبيُّ " : إذا قارب بين خطاه ، ودرج القوم : مات بعضهم إثرَ بعض .