قوله تعالى : { قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها ؟ قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها } . قال ابن عباس : شديد الصفرة ، وقال قتادة : صاف ، وقال الحسن : الصفراء السوداء ، والأول أصح لأنه لا يقال أسود فاقع إنما يقال : أصفر فاقع ، وأسود حالك وأحمر قانئ ، وأخضر ناضر ، وأبيض بقق للمبالغة .
قوله تعالى : { تسر الناظرين } . إليها يعجبهم حسنها وصفاء لونها .
وقال ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس : من لبس نعلا صفراء لم يزل في سرور ما دام لابسها ، وذلك قوله{[1980]} تعالى : { صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ } وكذا قال مجاهد ، ووهب بن منبه أنها كانت صفراء .
وعن ابن عمر : كانت صفراء الظلف . وعن سعيد بن جبير : كانت صفراء القرن والظلف .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا نصر بن علي ، حدثنا نوح بن قيس ، أنبأنا أبو رجاء ، عن الحسن في قوله : { بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا } قال : سوداء شديدة السواد .
وهذا غريب ، والصحيح الأول ، ولهذا أكد صفرتها بأنه { فَاقِعٌ لَوْنُهَا }
وقال عطية العوفي : { فَاقِعٌ لَوْنُهَا } تكاد تسود من صفرتها .
وقال سعيد بن جبير : { فَاقِعٌ لَوْنُهَا } قال : صافية اللون . وروى عن أبي العالية ، والربيع بن أنس ، والسدي ، والحسن ، وقتادة نحوه .
وقال شريك ، عن مَغْراء{[1981]} عن ابن عمر : { فَاقِعٌ لَوْنُهَا } قال : صاف{[1982]} .
وقال العوفي في تفسيره ، عن ابن عباس : { فَاقِعٌ لَوْنُهَا } شديدة الصفرة ، تكاد من صفرتها تبيض .
وقال السدي : { تَسُرُّ النَّاظِرِينَ } أي : تعجب الناظرين{[1983]} وكذا قال أبو العالية ، وقتادة ، والربيع بن أنس .
[ وفي التوراة : أنها كانت حمراء ، فلعل هذا خطأ في التعريب أو كما قال الأول : إنها كانت شديدة الصفرة تضرب إلى حمرة وسواد ، والله أعلم ]{[1984]} .
وقال وهب بن منبه : إذا نظرت إلى جلدها يخيل إليك أن شعاع الشمس يخرج من جلدها .
{ قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها } الفقوع نصوع الصفرة ولذلك تؤكد به ، فيقال : أصفر فاقع كما يقال أسود حالك ، وفي إسناده إلى اللون وهو صفة صفراء لملابسته بها فضل تأكيد كأنه قيل ؛ صفراء شديدة الصفرة صفرتها ، وعن الحسن سوداء شديدة السواد ، وبه فسر قوله تعالى : { جمالات صفر } . قال الأعشى :
تلك خيلي منه وتلك ركابي *** هن صفر أولادها كالزبيب
ولعله عبر بالصفرة عن السواد لأنها من مقدماته ، أو لأن سواد الإبل تعلوه صفرة وفيه نظر ، لأن الصفرة بهذا المعنى لا تؤكد بالفقوع { تسر الناظرين } أي تعجبهم ، والسرور أصله لذة في القلب عند حصول نفع أو توقعه من السر .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{قالوا ادع لنا ربك}، أي سل ربك.
{يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها}، يعني صافية اللون نقية، {تسر}، يعني تعجب {الناظرين}، يعني من رآها، فشددوا على أنفسهم، فشدد الله عليهم.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
قال قوم موسى لموسى:"ادْعُ لَنا رَبّكَ يُبَيّنُ لَنا ما لَوْنُها": أي لون البقرة التي أمرتنا بذبحها. وهذا أيضا تعنّت آخر منهم بعد الأول، وتكلّف طلب ما قد كانوا كفوه في المرة الثانية والمسألة الاَخرة، وذلك أنهم لم يكونوا حصروا في المرة الثانية، إذ قيل لهم بعد مسألتهم عن حلية البقرة التي كانوا أمروا بذبحها فأبوا إلا تكلف ما قد كفوه من المسألة عن صفتها،فحصروا على نوع دون سائر الأنواع عقوبة من الله لهم على مسألتهم التي سألوها نبيهم صلى الله عليه وسلم تعنتا منهم له، ثم لم يحصرهم على لون منها دون لون، فأبوا إلا تكلف ما كانوا عن تكلفه أغنياء، فقالوا تعنتا منهم لنبيهم صلى الله عليه وسلم كما ذكر ابن عباس: "ادْعُ لَنَا رَبّكَ يُبَيّنُ لَنا ما لَوْنُها"،فقيل لهم عقوبة لهم: "إنّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُها تَسُرّ النّاظِرِينَ"، فحُصِروا على لون منها دون لون، ومعنى ذلك أن البقرة التي أمرتكم بذبحها صفراء فاقع لونها...
{فَاقِعٌ لَوْنُهَا: يعني خالص لونها. و "الفقوع "في الصفر، نظير النصوع في البياض، وهو شدته وصفاؤه...
"تَسُرّ النّاظِرِينَ": تعجب هذه البقرة في حسن خلقها ومنظرها وهيئتها الناظر إليها.
تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :
الفاقع الشديد الصفرة في صفاء بحيث لا يخالطه لون آخر، وبعض أهل اللغة لا يخصه بالأصفر بل يجعله وصفا لكل لون صاف.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وهكذا ضيقوا على أنفسهم دائرة الاختيار -وكانوا من الأمر في سعة- فأصبحوا مكلفين أن يبحثوا لا عن بقرة.. مجرد بقرة.. بل عن بقرة متوسطة السن، لا عجوز ولا صغيرة، وهي بعد هذا صفراء فاقع لونها؛ وهي بعد هذا وذلك ليست هزيلة ولا شوهاء: (تسر الناظرين).. وسرور الناظرين لا يتم إلا أن تقع أبصارهم على فراهة وحيوية ونشاط والتماع في تلك البقرة المطلوبة؛ فهذا هو الشائع في طباع الناس: أن يعجبوا بالحيوية والاستواء ويسروا، وأن ينفروا من الهزال والتشويه ويشمئزوا.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
والمسرة لذة نفسية تنشأ عن الإحساس بالملائم أو عن اعتقاد حصوله ومما يوجبها التعجب من الشيء والإعجاب به. وهذا اللون من أحسن ألوان البقر، فلذلك أسند فعل {تسر} إلى ضمير البقرة لا إلى ضمير اللون، فلا يقتضي أن لون الأصفر مما يسر الناظرين مطلقاً. والتعبير بالناظرين دون الناس ونحوه للإشارة إلى أن المسرة تدخل عليهم عند النظر إليها.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.