معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ هُدَى ٱللَّهِ يَهۡدِي بِهِۦ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۚ وَلَوۡ أَشۡرَكُواْ لَحَبِطَ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (88)

قوله تعالى : { ذلك هدى الله } ، دين الله .

قوله تعالى : { يهدي به } ، يرشد به .

قوله تعالى : { من يشاء من عباده ، ولو أشركوا } ، أي : هؤلاء الذين سميناهم .

قوله تعالى : { لحبط } ، لبطل وذهب .

قوله تعالى : { عنهم ما كانوا يعملون } .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ هُدَى ٱللَّهِ يَهۡدِي بِهِۦ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۚ وَلَوۡ أَشۡرَكُواْ لَحَبِطَ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (88)

ثم قال : { ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ } أي : إنما حصل لهم ذلك بتوفيق الله وهدايته إياهم ، { وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } تشديد لأمر الشرك ، وتغليظ لشأنه ، وتعظيم لملابسته ، كما قال [ تعالى ]{[10952]} { وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ } الآية [ الزمر : 65 ] ، وهذا شرط ، والشرط لا يقتضي جواز الوقوع ، كقوله [ تعالى ]{[10953]} { قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ } [ الزخرف : 81 ] ، وكقوله { لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ } [ الأنبياء : 17 ] وكقوله { لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ } [ الزمر : 4 ] .


[10952]:زيادة من أ.
[10953]:زيادة من أ.
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ هُدَى ٱللَّهِ يَهۡدِي بِهِۦ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۚ وَلَوۡ أَشۡرَكُواْ لَحَبِطَ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (88)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يعني تعالى ذكره بقوله:"ذَلِكَ هُدَى اللّهِ": هذا الهدى الذي هديت به من سميت من الأنبياء والرسل فوفقتهم به لإصابة الدين الحقّ، الذي نالوا بإصابتهم إياه رضا ربهم وشرف الدنيا وكرامة الاَخرة، هو "هدى الله": هو توفيق الله ولطفه، الذي يوفق به من يشاء ويلطف به لمن أحبّ من خلقه، حتى يُنِيب إلى طاعة الله وإخلاص العمل له وإقراره بالتوحيد ورفض الأوثان والأصنام. "وَلَوْ أشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ": ولو أشرك هؤلاء الأنبياء الذين سميناهم بربهم تعالى ذكره، فعبدوا معه غيره، "لَحَبِطَ عَنْهُمْ": لبطل، فذهب عنهم أجر أعمالهم التي كانوا يعلمون، لأن الله لا يقبل مع الشرك به عملاً.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده} أي ذلك الهدى الذي هدى هؤلاء، فبهداهم اهتدوا...

وقوله تعالى: {ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون} هذا نبأ عن الحكم فيهم لو أشركوا. إلا أنهم لا يشركون لأن الله قد عصمهم، واختارهم لرسالته، واختصهم لنبوته، فلا يحتمل أن يشركوا. لكن ذكر هذا ليعلموا أن حكمه واحد في من أشرك بالله غيره: وضيعا كان، أو شريفا. وقوله تعالى: {لحبط عنهم ما كانوا يعملون} من الحسنات والخيرات التي كانت قبل الإشراك.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

{ذلك} إشارة إلى النعمة في قوله: {واجتبيناهم} وإضافة الهدى إلى الله إضافة ملك، و {حبط} معناه تلف وذهب لسوء غلب عليه.

أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي 685 هـ :

.. {ذلك هدى الله} إشارة إلى ما دانوا به. {يهدي به من يشاء من عباده} دليل على أنه متفضل عليهم بالهداية.

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

... {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} تشديد لأمر الشرك، وتغليظ لشأنه، وتعظيم لملابسته، كما قال [تعالى] {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} الآية [الزمر: 65]، وهذا شرط، والشرط لا يقتضي جواز الوقوع، كقوله [تعالى] {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} [الزخرف: 81]، وكقوله {لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 17] وكقوله {لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [الزمر: 4].

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما كان ربما أوهم تنكيرُه نقصاً فيه، قال مستأنفاً بياناً لكماله وتعظيماً لفضله وإفضاله: {ذلك} أي الهدى العظيم الرتبة {هدى الله} أي المستجمع لصفات الكمال {يهدي} أي يخلق الهداية {به} أي بواسطة الإقامة عليه {من يشاء من عباده} أي سواء كان له أب يعلمه أو كان له من يحمله على الضلال أولا؛ ولما بين فضل الهدى ونص على رؤوس أهله، تهدد من تركه كائناً من كان، فقال مظهراً لعز الإلهية بالغنى المطلق منزهاً نفسه عما لوحظ فيه غيره ولو بأدنى لحظ: {ولو أشركوا} أي هؤلاء الذين ذكرنا من مدحهم ما سمعتَ وبينّا من اختصاصنا لهم ما علمت -شيئاً من شرك وقد أعاذهم الله من ذلك، وأقام بهم معوج المسالك، وأنار بهم ظلام الأرض بطولها والعرض {لحبط عنهم} أي فسد وسقط {ما كانوا يعملون} أي وإن كان في غاية الإتقان بقوانين العلم،

تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :

ثم أورد الآيات في ذلك ومنها الآية التي نفسرها، وقد أعيد ذكر الهداية لبيان متعلقها وهو الصراط المستقيم، على ما فيه من التأكيد، وليرتب عليه قوله: {ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده}

أي ذلك الهدى إلى صراط مستقيم، وهو ما كان عليه أولئك الأخيار مما ذكر من الدين القويم، والفضل العظيم، هو هدى الله الخاص، الذي هو وراء جميع أنواع الهدى العام، كهدى الحواس والعقل والوجدان، لأنه عبارة عن الإيصال بالفعل إلى الحق والخير على الوجه الذي يؤدي إلى السعادة، وقد تقدم شرح ذلك في تفسير سورة الفاتحة. وقوله: {يهدي به من يشاء من عباده} يقع على درجتين: هداية ليس لصاحبها سعي لها ولا هي مما ينال بكسبه، وهي النبوة المشار إليها بقوله تعالى: {ووجدك ضالا فهدى} [الضحى: 7] وهداية قد تنال بالكسب والاستعداد، مع اللطف الإلهي والتوفيق لنيل المراد، وقد تقدم كلام بهذا المعنى في هذا السياق.

{ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون} أي ولو فرض أن أشرك بالله أولئك المهديون المجتبَوْن، لحبط أي بطل وسقط عنهم ثواب ما كانوا يعملون، بزوال أفضل آثار أعمالهم في أنفسهم، الذي هو الأساس لما رفع من درجاتهم، لأن توحيد الله تعالى لما كان منتهى الكمال المزكي للأنفس، كان ضده وهو الشرك منتهى النقص والفساد المدسي لها، والمفسد لفطرتها، فلا يبقى معه تأثير نافع لعمل آخر فيها، يمكن أن يترتب عليه نجاتها وفلاحها.

تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :

.. {ذَلِكَ} الهدى المذكور {هُدَى اللَّهِ} الذي لا هدى إلا هداه. {يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} فاطلبوا منه الهدى فإنه إن لم يهدكم فلا هادي لكم غيره، وممن شاء هدايته هؤلاء المذكورون. {وَلَوْ أَشْرَكُوا} على الفرض والتقدير {لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} فإن الشرك محبط للعمل، موجب للخلود في النار. فإذا كان هؤلاء الصفوة الأخيار، لو أشركوا -وحاشاهم- لحبطت أعمالهم فغيرهم أولى.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

..وهذا تقرير لينابيع الهدى في هذه الأرض. فهدى الله للبشر يتمثل فيما جاءت به الرسل. وينحصر المستيقن منه، والذي يجب اتباعه، في هذا المصدر الواحد، الذي يقرر الله -سبحانه- أنه هو هدى الله؛ وأنه هو الذي يهدي إليه من يختار من عباده.. ولو أن هؤلاء العباد المهديين حادوا عن توحيد الله، وتوحيد المصدر الذي يستمدون منه هداه، وأشركوا بالله في الاعتقاد أو العبادة أو التلقي، فإن مصيرهم أن يحبط عنهم عملهم: أي ان يذهب ضياعا، ويهلك كما تهلك الدابة التي ترعى نبتا مسموما فتنتفخ ثم تموت.. وهذا هو الأصل اللغوي للحبوط!

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

استئناف بياني، أي لا تعجبوا من هديهم وضلال غيرهم. والإشارة إلى الهُدى الّذي هو مصدر مأخوذ من أفعال الهداية الثلاثة المذكورة في الآية قبلها، وخصوصاً المذكور آخراً بقوله {وهديناهم إلى صراط مستقيم} [الأنعام: 87]. وقد زاد اسمُ الإشارة اهتماماً بشأن الهدي إذ جعل كالشيء المشاهد فزيد باسم الإشارة كمالُ تمييز، وأخبِر عن الهدي بأنّه هدى الله لتشريف أمره وبيان عصمته من الخطأ والضلال، وفيه تعريض بما عليه المشركون ممّا يزعمونه هدى ويتلقّونه عن كبرائهم، أمثالِ عَمْرو بن لُحَيّ الذي وضع لهم عبادة الأصنام، ومثلِ الكهّان وأضرابهم...

...

وقوله تعالى: {يهدي به من يشاء من عباده} جملة في موضع الحال من {هُدى الله}. والمراد ب {من يشاء} الّذين اصطفاهم الله واجتباهم وهو أعلم بهم وباستعدادهم لهديه ونبذهم المكابرة وإقبالهم على طلب الخير وتطلّعهم إليه وتدرّجهم فيه إلى أن يبلغوا مرتبة إفاضة الله عليهم الوحيَ أو التّوفيق والإلهام الصادق. ففي قوله: {من يشاء} من الإبهام ما يبعث النّفوس على تطلّب هُدى الله تعالى والتّعرّض لنفحاته، وفيه تعريض بالمشركين الّذين أنكروا نبوءة محمّد صلى الله عليه وسلم حسداً، ولذلك أعقبه بقوله {ولو أشركوا لحَبِط عنهم ما كانوا يعملون} تفظيعاً لأمر الشرك وأنّه لا يغتفر لأحد ولو بلغ من فضائل الأعمال مبلغاً عظيماً مثل هؤلاء المعدودين المنوّه بهم. والواو للحال. و« حبط» معناه تلف، أي بطل ثوابه. وقد تقدّم في قوله تعالى: {ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم} في سورة [البقرة: 217].

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

وإن ما عليه أولئك النبيون من صبر في النعماء والضراء، والقوة والضعف، والشدة والرخاء، ومن سيطرة للروح على الجسد وجعله خادما لمطالب الحياة والعزة التي لا ذلة فيها، والتواضع الذي لا ضعة فيه، هذه هي الهداية تؤخذ من أخلاق النبوة، هذا هدى الله تعالى ولذا قال تعالى بعد قصص الأنبياء السابقين: (ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده).

الإشارة هنا للتقييد وهو ما ذكر من إحسان الأنبياء وروحانيتهم وما فعلوا من خير هو هدى الله تعالى المنسوب إليه، المطلوب من العباد من اتباع النبيين يختار الله من عباده من يهديه إذا سار في طريق الخير، واتبع سواء السبيل فإنه إن اتجه إلى الله هداه الله، وإن اتجه إلى الشيطان أكسبه الله تعالى فضلا، وفي نفسه أسباب الهداية ولكنه طمسها بإغواء الشيطان.

وقد قال تعالى: (من عباده) فالجميع عبيد لله تعالى يهدي إلى الحق من كتب الله له الهداية على النحو الذي بيناه وإن هؤلاء وصلوا إلى ما وصلوا بالوحدانية، (ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون) (لو) كما يقول النحويون: حرف امتناع لامتناع، أي امتناع الجواب لامتناع الشرط، أي لو أشركوا -وهو ممتنع عليهم لاختيار الله- لحبطت أعمالهم وهو أيضا ممتنع لامتناع الشرط، وحبوط الأعمال بطلانها حتى كأنها لم تكن أي يذهب ما في الأعمال من الخير ولسلبت منهم الهداية فالشرك يمحو كل خير، ويذهب بكل عمل نافع، وما يفعله المشركون من خير يكفرونه.

والشرط هنا في امتناعه وامتناع الجواب للتحريض على الوحدانية، وترك الشرك تركا تاما وبيان أنه يحبط كل عمل يظن فيه الخير ألا ترى أنه يحبط عمل الأنبياء وهداهم فكيف لا يحبط عمل من دونهم فالنص تقبيح للشرك أيا كانت صورته وحث لهم على فعل الخير، وحمايته بالوحدانية.