معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{رَّبُّكُمُ ٱلَّذِي يُزۡجِي لَكُمُ ٱلۡفُلۡكَ فِي ٱلۡبَحۡرِ لِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦٓۚ إِنَّهُۥ كَانَ بِكُمۡ رَحِيمٗا} (66)

قوله عز وجل : { ربكم الذي يزجي لكم الفلك } أي : يسوق ويجري لكم الفلك ، { في البحر لتبتغوا من فضله } ، لتطلبوا من رزقه ، { إنه كان بكم رحيماً } .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{رَّبُّكُمُ ٱلَّذِي يُزۡجِي لَكُمُ ٱلۡفُلۡكَ فِي ٱلۡبَحۡرِ لِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦٓۚ إِنَّهُۥ كَانَ بِكُمۡ رَحِيمٗا} (66)

يخبر تعالى عن لطفه بخلقه في تسخيره لعباده الفلك في البحر ، وتسهيلها{[17659]} لمصالح عباده لابتغائهم من فضله{[17660]} في التجارة من إقليم إلى إقليم ؛ ولهذا قال : { إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا } أي : إنما فعل هذا بكم من فضله عليكم ، ورحمته بكم .


[17659]:في ت، ف، أ: "وتسهيله لها".
[17660]:في ف، أ: "فضله لهم".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{رَّبُّكُمُ ٱلَّذِي يُزۡجِي لَكُمُ ٱلۡفُلۡكَ فِي ٱلۡبَحۡرِ لِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦٓۚ إِنَّهُۥ كَانَ بِكُمۡ رَحِيمٗا} (66)

القول في تأويل قوله تعالى : { رّبّكُمُ الّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ إِنّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً } .

يقول تعالى ذكره للمشركين به : ربكم أيها القوم هو الذي يسير لكم السفن في البحر . فيحملكم فيها لَتْبتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ لتوصلوا بالركوب فيها إلى أماكن تجاراتكم ومطالبكم ومعايشكم ، وتلتمسون من رزقه إنّه كانَ بِكُمْ رَحِيما يقول : إن الله كان بكم رحيما حين أجرى لكم الفلك في البحر ، تسهيلاً منه بذلك عليكم التصرّف في طلب فضله في البلاد النائية التي لولا تسهيله ذلك لكم لصعب عليكم الوصول إليها . وبنحو ما قلنا في قوله : يُزْجِي لَكُمْ قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ بن داود ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ . عن ابن عباس . قوله : رَبّكُمُ الّذِي يُزْجِي لَكُمُ الفُلْكَ في البَحْرِ يقول : يجري الفلك .

حدثني محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة رَبّكُمُ الّذِين يُزْجي لَكُمُ الفُلْكَ فِي البَحْرِ قال : يسيرها في البحر .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس رَبّكُمُ الّذِي يُزْجي لَكُمُ الفُلكَ فِي البَحْرِ قال : يجري .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : رَبّكُمْ الّذِي يُزْجي لَكُمْ الفُلْكَ فِي البَحْرِ قال : يجريها .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{رَّبُّكُمُ ٱلَّذِي يُزۡجِي لَكُمُ ٱلۡفُلۡكَ فِي ٱلۡبَحۡرِ لِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦٓۚ إِنَّهُۥ كَانَ بِكُمۡ رَحِيمٗا} (66)

استئناف ابتدائي وهو عوْد إلى تقرير أدلة الانفراد بالتصريف في العالم المشوبة بما فيها من نعم على الخلق ، والدالة بذلك الشوب على إتقان الصنع ومحكم التدبير لنظام هذا العالم وسيادة الإنسان فيه وعليه . ويشبه أن يكون هذا الكلام عوداً إلى قوله : { ويدعُ الإنسان بالشر دعاءه بالخير } [ الإسراء : 11 ] كما تقدم هناك فراجعه . فلما جرى الكلام على الإنذار والتحذير أعقب هنا بالاستدلال على صحة الإنذار والتحذير .

والخطاب لجماعة المشركين كما يقتضيه قوله عقبه : { فلما نجاكم إلى البر أعرضتم } [ الإسراء : 67 ] ، أي أعرضتم عن دعائه ودعوتم الأصنام ، وقولُه : { ضل من تدعون إلا إياه } [ الإسراء : 67 ] .

وافتتحت الجملة بالمسند إليه معرفاً بالإضافة ومستحضراً بصفة الربوبية لاستدعاء إقبال السامعين على الخبر المؤذن بأهميته حيث افتتح بما يترقب منه خبر عظيم لكونه من شؤون الإله الحق وخالق الخلق ومدبر شؤونهم تدبير اللطيف الرحيم ، فيوجب إقبال السامع بِشَرَاشِرِه إن مؤمناً متذكراً أو مشركاً ناظراً متدبراً .

وجيء بالجملة الإسمية لدلالتها على الدوام والثبات .

وبتعريف طرفيها للدلالة على الانحصار ، أي ربكم هو الذي يزجي لكم الفلك لا غيرُه ممن تعبدونه باطلاً وهو الذي لا يزال يفعل ذلك لكم .

وجيء بالصلة فعلاً مضارعاً للدلالة على تكرر ذلك وتحدده . فحصلت في هذه الجملة على إيجازها معان جمة خصوصية . وفي ذلك حد الإعجاز .

ويُزجي : يسوق سوقاً بطيئاً شبه تسخير الفلك للسير في الماء بإزجاء الدابة المثقلة بالحمل .

والفلُك هنا جمع لا مفرد . والبحر : الماء الكثير فيشمل الأنهار كالفرات والدجلة ، وتقدم عند قوله تعالى : { والفلك التي تجري في البحر } في سورة [ البقرة : 164 ] .

والابتغاء : الطلب . والفضل : الرزق ، أي للتجارة وتقدم عند قوله تعالى : { ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم } في سورة [ البقرة : 198 ] . وهذا امتنان على الناس كلّهم مناسب لعموم الدعوة ، لأنّ أهل مكة ما كانوا ينتفعون بركوب البحر وإنما ينتفع بذلك عرب اليمن وعرب العراق والناس غيرهم .

وجملة { إنه كان بكم رحيماً } تعليل وتنبيه لموقع الامتنان ليرفضوا عبادة غيره مما لا أثر له في هذه المنة .