تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{رَّبُّكُمُ ٱلَّذِي يُزۡجِي لَكُمُ ٱلۡفُلۡكَ فِي ٱلۡبَحۡرِ لِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦٓۚ إِنَّهُۥ كَانَ بِكُمۡ رَحِيمٗا} (66)

الآية66 : وقوله تعالى : { ربكم الذي يزجى لكم الفلك في البحر } يجري ، ويسير ، ويسوق الفلك في البحر .

قال الحسن : أي سخر الفلك أو السفن لنا في البحر والدواب/305-ب/في البر لنقطع بها البحار والمفاوز والبراري لنصل بذلك إلى حوائجنا التي جعلت لنا في البلدان النائية والأمكنة البعيدة ، وكذلك قال في قوله : { هو الذي يسيركم في البر والبحر }( يونس : 22 )أي سخرنا لنا ذلك .

ونحن نقول كذلك ؛ سخر لنا ما ذلك . ونحن نقول كذلك ؛ سخرنا لنا ما ذكر ، إلا أن إضافة ذلك إليه على قولنا ( هو ) {[11062]} أن أفعالنا مخلوقة له .

ثم يذكر فيه قدرته وسلطانه وعلمه حين{[11063]} خلق الخشب ، وجعل فيه{[11064]} معنى يَقِرُّ على وجه الماء مع ثقله . ومن طبع الشيء الثقيل التسرب في الماء والتسفل فيه ، ولأنفسهم المعنى الذي به ( لا ) {[11065]} تَقِرُّ على وجه الماء ، وإن كانت دون ذلك في الثقل ، تتسفل ، وتتسرب . أو جعل ذلك بطبعه بحيث يقر على وجه الماء ، ولا يسرب فيه لطفا منه .

فمن قد على إنشاء ما يقر على وجه الماء لمعنى ، جعله فيه ، لا نعقله نحن ، أو بلطفه ، ( فهو قادر ){[11066]} على إنشاء هذا الخلق وإعادته بعد فنائه وذهابه ، وإن كانت عقول الخلائق ، لا تدرك ذلك ، وأفهام البشر تعجز عن دركه . فكما قدر على إنشاء ما هو طبعه التسرب في الماء والتسفل فيه بحيث يَقِرُّ ، ويركد على الماء ، يقدر على ما ذكرنا ، وحين{[11067]} قدر على تسكين الأمواج في البحر ليعبر فيها ، وخلق رياحا فيها لتجري السفن كما تجري في الماء الجاري .

فمن قدر على هذا يقدر على ما ذكرنا ( من الإحياء بعد الفناء .

وفيه ما ذكنا ){[11068]} من تذكير نعمه لنا لنشكره وتذكير قدرته وسلطانه لنهاب منه ، ولا ننكر قدرته وسلطانه في شيء من الأشياء هل ما أنكر قدرته بعض خلقه لقصور{[11069]} عقولهم عن درك ذلك .

وفيه وجوه من الدلالة :

أحدهما : تعليم الأسباب التي بها يوصل إلى قطع البحار والبراري من اتخاذ السفن والحمل عليها وغير ذلك .

والثاني : تسخير البحار والبراري لنا ( ما لولا ذلك ما تهيأ لنا ){[11070]} استعمال ذلك .

والثالث : دلالة الرسالة ، إذ لولا خبر السماء ، وإلا ما يعرف أن ما يحتاج إليه هو تلك البلدان النائية والأمكنة البعيدة ، وما يعلم أن ذلك الطريق ، يقضي إلى تلك الأمكنة إلا بخبر الرسول عن الله تعالى .

وقوله تعالى : { إنه كان بكم رحيما } قال بعضهم : أي من رحمته أن جعل لكم الفلك والدواب لتصلوا بها إلى أرزاقكم التي في البلاد النائية البعيدة . وقال بعضهم : إنه لم يزل بكم رحيما إذ تبتم ، ورجعتم عن ذلك . ( وإن ){[11071]} كانت الآية في المؤمنين فهو لم يزل بهم رحيما ، وإن كانت في الأرزاق ففيهم جميعا .

فإن قالت الثنوية : ( كيف تصفون ربكم ){[11072]} بالرحمة والرأفة ، وهو يُمِيتُكُم ، ويقتلكم ، ويحمل عليكم الشدائد والمؤن العظام ، فذلك ليس من صفة الرحيم ؟

قيل إنا قد ذكرنا لكم في غير موضع جواب السؤال : أن المرء رحيم على نفسه ، وله الرحمة والشفقة عليها ، ثم مع ذلك يحمل على نفسه الشدائد والمؤن العظام لما يأمل من النفع في العاقبة من نحو الحجامة والافتصاد وشرب الأدوية الكريهة ما لو لا يأمل من النفع في العاقبة ما يحمل ذلك .

وكذلك الوالدان ، فيهما من الرحمة والرأفة لولدهما ما لا يخفى ذلك على أحد ، ثم يحملان ولدهما ما ذكر من الشدائد والمؤن العظام لما يأملان{[11073]} من النفع لهم العاقبة . ثم لا يمنع ذلك من الوصف بالرحمة والرأفة .

فعلى ذلك الله تعالى لا يمنع ما يحمل علينا من الشدائد عن أن يوصف بالرحمة ، ولا يخرجه ذلك عن الحكمة . بل هو على ما قال : { وهو أرحم الراحمين }( يوسف : 64و92 ) .


[11062]:ساقطة من الأصل و.م.
[11063]:في الأصل و.م : حيث.
[11064]:في الأصل و.م : فيها.
[11065]:ساقطة من الأصل و.م.
[11066]:في الأصل و.م : لقادر.
[11067]:في الأصل و.م : وحيث.
[11068]:من م، ساقطة من الأصل.
[11069]:من م، في الأصل لقصوره.
[11070]:من م، ساقطة من الأصل.
[11071]:في الأصل و.م : أو.
[11072]:في الأصل : إنكم تصفون بربكم.
[11073]:في الأصل و.م : يأملون.