مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{رَّبُّكُمُ ٱلَّذِي يُزۡجِي لَكُمُ ٱلۡفُلۡكَ فِي ٱلۡبَحۡرِ لِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦٓۚ إِنَّهُۥ كَانَ بِكُمۡ رَحِيمٗا} (66)

قوله تعالى :{ ربكم الذي يزجي لكم الفلك في البحر لتبتغوا من فضله إنه كان بكم رحيما وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفورا أفأمنتم أن نخسف بكم جانب البر أو نرسل عليكم حاصبا ثم لا تجدوا لكم وكيلا أم أمنتم أن نعيدكم فيه تارة أخرى فنرسل عليكم قاصفا من الريح فنغرقكم بما كفرتم ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا }

اعلم أنه تعالى عاد إلى ذكر الدلائل الدالة على قدرته وحكمته ورحمته ، وقد ذكرنا أن المقصود الأعظم في هذا الكتاب الكريم تقرير دلائل التوحيد ، فإذا امتد الكلام في فصل من الفصول عاد الكلام بعده إلى ذكر دلائل التوحيد ، والمذكور ههنا الوجوه المستنبطة من الإنعامات في أحوال ركوب البحر .

فالنوع الأول : كيفية حركة الفلك على وجه البحر وهو قوله : { ربكم الذي يزجى لكم الفلك في البحر } والإزجاء سوق الشيء حالا بعد حال ، وقد ذكرنا ذلك في تفسير قوله : { ببضاعة مزجاة } [ يوسف : 88 ] والمعنى : ربكم الذي يسير الفلك على وجه البحر لتبتغوا من فضله في طلب التجارة إنه كان بكم رحيما ، والخطاب في قوله : { ربكم } وفي قوله : { إنه كان بكم } عام في حق الكل ، والمراد من الرحمة منافع الدنيا ومصالحها .