معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قَالَ عِلۡمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَٰبٖۖ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى} (52)

قوله تعالى : { قال } موسى { علمها عند ربي } أي : أعمالهم محفوظة عند الله يجازي بها . وقيل : إنما رد موسى علم ذلك إلى الله لأنه لم يعلم ذلك ، فإن التوراة أنزلت بعد هلاك فرعون وقومه { في كتاب } يعني : في اللوح المحفوظ { لا يضل ربي } أي : لا يخطئ . وقيل : لا يغيب عنه شيء ولا يغيب عن شيء { ولا ينسى } ما كان من أمرهم حتى يجازيهم بأعمالهم . وقيل : لا ينسى أي لا يترك الانتقام ، فينتقم من الكافر ويجازي المؤمن .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قَالَ عِلۡمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَٰبٖۖ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى} (52)

{ قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأولَى } أصح الأقوال في معنى ذلك : أن فرعون لما أخبره موسى بأن ربه الذي أرسله هو الذي خلق ورزق وقدر فهدى ، شرع يحتج بالقرون الأولى ، أي : الذين لم يعبدوا الله ، أي : فما بالهم إذا كان الأمر كما تقول ، لم يعبدوا ربك{[19395]} بل عبدوا غيره ؟ فقال له موسى في جواب ذلك : هم وإن لم يعبدوه فإن عملهم{[19396]} عند الله مضبوط عليهم ، وسيجزيهم بعملهم في كتاب الله ، وهو اللوح المحفوظ وكتاب الأعمال ، { لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى } أي : لا يشذ عنه{[19397]} شيء ، ولا يفوته صغير ولا كبير ، ولا ينسى شيئًا . يصف علمه تعالى بأنه بكل شيء محيط ، وأنه لا ينسى شيئًا ، تبارك وتعالى وتقدس ، فإن علم المخلوق يعتريه نقصانان{[19398]} أحدهما : عدم الإحاطة بالشيء ، والآخر نسيانه بعد علمه ، فنزه نفسه عن ذلك .


[19395]:في ف، أ: "لم يعبدوه".
[19396]:في ف، أ: "علمهم".
[19397]:في ف: "عليه".
[19398]:في ف، أ: "نقصان".

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قَالَ عِلۡمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَٰبٖۖ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى} (52)

علم هذه الأمم التي مضت من قبلنا فيما فعلت من ذلك ، عند ربي في كتاب : يعني في أمّ الكتاب ، لا علم لي بأمرها ، وما كان سبب ضلال من ضلّ منهم فذهب عن دين الله . " لا يَضِلّ رَبّي " يقول : لا يخطىء ربي في تدبيره وأفعاله ، فإن كان عذّب تلك القرون في عاجل ، وعجل هلاكها ، فالصواب ما فعل ، وإن كان أخر عقابها إلى القيامة ، فالحقّ ما فعل ، هو أعلم بما يفعل ، لا يخطىء ربي ولاَ يَنْسَى فيترك فعل ما فعْله حكمة وصواب . وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : " فِي كِتابٍ لا يَضِلّ رَبّي وَلا يَنْسَى " يقول : لا يخطىء ربي ولا ينسى .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " فَمَا بَالُ القُرُونِ الأُولى " يقول فما أعمى القرون الأولى ، فوكلها نبي الله موكلاً فقال : عِلْمُها عِنْدَ رَبّي . . . الاَية يقول : أي أعمارها وآجالها .

وقال آخرون : معنى قوله لا يَضِلّ رَبّي وَلا يَنْسَى واحدا . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : " لا يَضِلّ رَبّي وَلا يَنْسَى " قال : هما شيء واحد .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، مثله .

والعرب تقول : ضلّ فلان منزله : إذا أخطأه ، يضله بغير ألف ، وكذلك ذلك في كلّ ما كان من شيء ثابت لا يبرح ، فأخطأه مريده ، فإنها تقول : أضله ، فأما إذا ضاع منه ما يزول بنفسه من دابة وناقة وما أشبه ذلك من الحيوان الذي ينفلت منه فيذهب ، فإنها تقلو : أضلّ فلان بعيره أو شاته أو ناقته يُضله بالألف . وقد بيّنا معنى النسيان فيما مضى قبل بما أغنى عن إعادته .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالَ عِلۡمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَٰبٖۖ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى} (52)

قول موسى في جوابه { عِلْمُهَا عند رَبِّي فِي كتاب } صالحٌ للاحتمالين ، فعلى الاحتمال الأول يكون موسى صرفه عن الخوض فيما لا يجدي في مقامه ذلك الذي هو المتمحض لدعوة الأحياء لا البحث عن أحوال الأموات الذين أفضوا إلى عالم الجزاء ، وهذا نظير قول النبي صلى الله عليه وسلم لمّا سئل عن ذراري المشركين فقال : « الله أعلم بما كانوا عاملين » .

وعلى الاحتمال الثاني يكون موسى قد عدل عن ذكر حالهم خيبة لمراد فرعون وعدولاً عن الاشتغال بغير الغرض الذي جاء لأجله .

والحاصل أنّ موسى تجنّب التصدي للمجادلة والمناقضة في غير ما جاء لأجله لأنّه لم يبعث بذلك . وفي هذا الإعراض فوائد كثيرة وهو عالم بمجمل أحوال القرون الأولى وغير عالم بتفاصيل أحوالهم وأحوال أشخاصهم .

وإضافة { عِلْمُهَا } من إضافة المصدر إلى مفعوله . وضمير { عِلْمُها } عائد إلى { القُرُوننِ الأولى } لأنّ لفظ الجمع يجوز أن يؤنث ضميره .

وقوله { في كتاب } يحتمل أن يكون الكتاب مجازاً في تفصيل العلم تشبيهاً له بالأمور المكتوبة ، وأن يكون كناية عن تحقيق العلم لأنّ الأشياء المكتوبة تكون محققة كقول الحارث بن حِلِّزَة :

وهل ينقض ما في المهارق الأهواء

ويؤكد هذا المعنى قوله { لاَّ يَضِلُّ رَبي ولا يَنسَى } .

والضلال : الخطأ في العلم ، شبّه بخطأ الطريق . والنسيان : عدم تذكر الأمر المعلوم في ذهن العالم .