فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قَالَ عِلۡمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَٰبٖۖ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى} (52)

فأجابه موسى و { قال علمها عند ربي } أي أن هذا الذي سألت عنه ليس مما نحن بصدده ، بل هو من علم الغيب الذي استأثر الله به لا تعلمه أنت ولا أنا وإن العلم بأحوالهم لا تعلق له بمنصب الرسالة { في كتاب } أي أنها مثبتة في اللوح المحفوظ . قال الزجاج : المعنى أن أعمالهم محفوظة عند الله يجازي بها يوم القيامة والتقدير علم أعمالها عند ربي في كتاب .

وأعلم أن فرعون لما سأل موسى عن الإله وكان ذلك مما سبيله الاستدلال أجابه موسى بأوجز عبارة وأحسن معنى ، ولما سأله عن القرون الأولى ، وكان ذلك مما سبيله الإخبار ولم يأته خبر في ذلك وكله إلى عالم الغيوب . قاله الكرخي { لا يضل ربي ولا ينسى } اختلف في معناه على أقوال :

الأول : أنه ابتداء كلام مستأنف تنزيه لله سبحانه عن هاتين الصفتين ، وقد تم الكلام عند قوله في كتاب . قاله الزجاج قال : ومعنى لا يضل لا يهلك ، من قوله تعالى : { أئذا ضللنا في الأرض } ، ولا ينسى شيئا من الأشياء فقد نزهه عن الهلاك والنسيان .

الثاني : أن معنى لا يضل لا يخطئ . قاله ابن عباس .

الثالث : أن معناه لا يغيب . قال ابن الأعرابي : أصل الضلال الغيبوبة .

الرابع : أن المعنى لا يحتاج إلى كتاب ولا يضل عنه علم شيء من الأشياء ولا ينسى ما علمه منها . حكي هذا عن الزجاج أيضا . قال النحاس : وهو أشبهها بالمعنى ولا يخفى أنه كقول ابن الأعرابي .

الخامس : أن المعنى لا يذهب شيء عن علمه ولا ينسى ، أي بعدما علم ، وهذا كالرابع .

السادس : أن اللفظ الأول إشارة إلى كونه عالما بكل المعلومات . والثاني دليل على بقاء ذلك العلم أبد الآباد ، وهو إشارة إلى نفي التغير .

السابع : أن هاتين الجملتين صفة للكتاب ، والمعنى أن الكتاب غير ذاهب عن الله ولا ه ناس له .