تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي  
{قَالَ عِلۡمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَٰبٖۖ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى} (52)

فقال موسى : { عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى } أي : قد أحصى أعمالهم من خير وشر ، وكتبه في كتاب ، وهو اللوح المحفوظ ، وأحاط به علما وخبرا ، فلا يضل عن شيء منها ، ولا ينسى ما علمه منها .

ومضمون ذلك ، أنهم قدموا إلى ما قدموا ، ولاقوا أعمالهم ، وسيجازون عليها ، فلا معنى لسؤالك واستفهامك يا فرعون عنهم ، فتلك أمة قد خلت ، لها ما كسبت ، ولكم ما كسبتم ، فإن كان الدليل الذي أوردناه عليك ، والآيات التي أريناكها ، قد تحققت صدقها ويقينها ، وهو الواقع ، فانقد إلى الحق ، ودع عنك الكفر والظلم ، وكثرة الجدال بالباطل ، وإن كنت قد شككت فيها أو رأيتها غير مستقيمة ، فالطريق مفتوح وباب البحث غير مغلق ، فرد الدليل بالدليل ، والبرهان بالبرهان ، ولن تجد لذلك سبيلا ، ما دام الملوان .

كيف وقد أخبر الله عنه ، أنه جحدها مع استيقانها ، كما قال تعالى : { وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا } وقال موسى : { لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ } فعلم أنه ظالم في جداله ، قصده العلو في الأرض .