جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري  
{قَالَ عِلۡمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَٰبٖۖ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى} (52)

علم هذه الأمم التي مضت من قبلنا فيما فعلت من ذلك ، عند ربي في كتاب : يعني في أمّ الكتاب ، لا علم لي بأمرها ، وما كان سبب ضلال من ضلّ منهم فذهب عن دين الله . " لا يَضِلّ رَبّي " يقول : لا يخطىء ربي في تدبيره وأفعاله ، فإن كان عذّب تلك القرون في عاجل ، وعجل هلاكها ، فالصواب ما فعل ، وإن كان أخر عقابها إلى القيامة ، فالحقّ ما فعل ، هو أعلم بما يفعل ، لا يخطىء ربي ولاَ يَنْسَى فيترك فعل ما فعْله حكمة وصواب . وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : " فِي كِتابٍ لا يَضِلّ رَبّي وَلا يَنْسَى " يقول : لا يخطىء ربي ولا ينسى .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " فَمَا بَالُ القُرُونِ الأُولى " يقول فما أعمى القرون الأولى ، فوكلها نبي الله موكلاً فقال : عِلْمُها عِنْدَ رَبّي . . . الاَية يقول : أي أعمارها وآجالها .

وقال آخرون : معنى قوله لا يَضِلّ رَبّي وَلا يَنْسَى واحدا . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : " لا يَضِلّ رَبّي وَلا يَنْسَى " قال : هما شيء واحد .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، مثله .

والعرب تقول : ضلّ فلان منزله : إذا أخطأه ، يضله بغير ألف ، وكذلك ذلك في كلّ ما كان من شيء ثابت لا يبرح ، فأخطأه مريده ، فإنها تقول : أضله ، فأما إذا ضاع منه ما يزول بنفسه من دابة وناقة وما أشبه ذلك من الحيوان الذي ينفلت منه فيذهب ، فإنها تقلو : أضلّ فلان بعيره أو شاته أو ناقته يُضله بالألف . وقد بيّنا معنى النسيان فيما مضى قبل بما أغنى عن إعادته .