فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{قَالَ عِلۡمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَٰبٖۖ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى} (52)

{ عِلْمُهَا عِندَ رَبّي } أي إن هذا الذي سألت عنه ليس مما نحن بصدده ، بل هو من علم الغيب الذي استأثر الله به لا تعلمه أنت ولا أنا . وعلى التفسير الأوّل يكون معنى { عِلْمُهَا عِندَ رَبّي } : أن علم هؤلاء الذين عبدوا الأوثان ونحوها محفوظ عند الله في كتابه سيجازيهم عليها ، ومعنى كونها في كتاب : أنها مثبتة في اللوح المحفوظ . قال الزجاج : المعنى أن أعمالهم محفوظة عند الله يجازي بها ، والتقدير : علم أعمالها عند ربي في كتاب .

وقد اختلف في معنى { لاَ يَضِلُّ رَبّي وَلاَ يَنسَى } على أقوال : الأوّل : أنه ابتداء كلام تنزيه لله تعالى عن هاتين الصفتين . وقد تمّ الكلام عند قوله : { في كتاب } كذا قال الزجاج ، قال : ومعنى { لاَ يَضِلُّ } : لا يهلك من قوله : { أَئذَا ضَلَلْنَا فِي الأرض } [ السجدة : 10 ] { وَلاَ يَنسَى } شيئاً من الأشياء ، فقد نزّهه عن الهلاك والنسيان . القول الثاني : أن معنى { لا يَضِلُّ } : لا يخطئ . القول الثالث : أن معناه لا يغيب . قال ابن الأعرابي : أصل الضلال الغيبوبة . القول الرابع : أن المعنى : لا يحتاج إلى كتاب ، ولا يضلّ عنه علم شيء من الأشياء ، ولا ينسى ما علمه منها ، حكي هذا عن الزجاج أيضاً . قال النحاس : وهو أشبهها بالمعنى . ولا يخفى أنه كقول ابن الأعرابي . القول الخامس : أن هاتين الجملتين صفة لكتاب ، والمعنى : أن الكتاب غير ذاهب عن الله ولا هو ناس له .

/خ59