قوله تعالى : { إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله } إلى كتاب الله ورسوله ، { ليحكم بينهم } هذا ليس على طريق الخبر لكنه تعليم أدب الشرع على معنى أن المؤمنين كذا ينبغي أن يكونوا ، ونصب القول على الخبر واسمه في قوله تعالى : { أن يقولوا سمعنا وأطعنا } يعني : سمعنا الدعاء وأطعنا بالإجابة . { وأولئك هم المفلحون * }
ثم أخبر تعالى عن صفة المؤمنين المستجيبين لله ولرسوله ، الذين لا يبغون دينا سوى كتاب الله وسنة رسوله ، فقال : { إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } أي : سمعًا وطاعة ؛ ولهذا وصفهم تعالى بفلاح ، وهو نيل المطلوب والسلامة من المرهوب ، فقال : { وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } .
وقال قتادة في هذه الآية : { أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } ذُكر لنا أن عُبَادة بن الصامت - وكان عَقَبيًّا بدريا ، أحد نقباء الأنصار - أنه لما حضره الموت قال لابن أخيه جنادة بن أبي أمية : ألا أنبئك بماذا عليك وَمَاذا لك ؟ قال : بلى . قال : فإن عليك السمع والطاعة ، في عسرك ويسرك ، ومَنْشَطك ومكرهك ، وأثرةً عليك . وعليك أن تقيم لسانك بالعدل ، وألا تنازع الأمرَ أهله ، إلا أن يأمروك بمعصية الله بَوَاحا ، فما أمرت به من شيء يخالف كتاب الله ، فاتبع كتاب الله .
وقال قتادة : وَذُكر{[21297]} لنا أن أبا الدرداء قال : لا إسلام إلا بطاعة الله ، ولا خير إلا في جماعة ، والنصيحة لله ولرسوله ، وللخليفة وللمؤمنين عامة .
قال : وقد ذُكر لنا أن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، كان يقول : عُروة الإسلام شهادةُ أن لا إله إلا الله ، وإقامُ الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والطاعة لمن ولاه الله أمر المسلمين .
رواه ابن أبي حاتم ، والأحاديث والآثار في وجوب الطاعة لكتاب الله [ وسنة رسوله ، وللخلفاء الراشدين ، والأئمة إذا أمروا بطاعة الله ]{[21298]} كثيرة جدًّا ، أكثر من أن تحصر في هذا المكان .
القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوَاْ إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلََئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } .
يقول تعالى ذكره : إنما كان ينبغي أن يكون قول المؤمنين إذا دُعُوا إلى حكم الله وإلى حكم رسوله ، لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ وبين خصومهم ، أنْ يَقُولُوا سَمِعْنا ما قيل لنا ، وأطَعْنا من دعانا إلى ذلك . ولم يُعْنَ بكان في هذا الموضع الخبر عن أمر قد مضى فيقضى ، ولكنه تأنيب من الله الذي أُنزلت هذه الآية بسببهم وتأديب منه آخرين غيرهم . وقوله : وأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ يقول تعالى ذكره : والذين إذا دُعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم وبين خصومهم ، أن يقولوا : سمعنا وأطعنا . المفلحون : يقول : هم المنجِحون المدّركون طَلِباتهم ، بفعلهم ذلك ، المخلدون في جنات الله .
وقرأ الجمهور «قولَ » بالنصب ، وقرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه والحسن وابن أبي إسحاق «قولُ » بالرفع ، واختلف عنهما قال أبو الفتح شرط { كان } أن يكون اسمها أعرف من خبرها فقراءة الجمهور أقوى ، والمعنى إنما كان الواجب أن يقوله المؤمنون { إذا دعوا إلى } حكم { الله ورسوله } { سمعنا وأطعنا } فكأن هذه ليست إخباراً عن ماضي زمن وإنما كقول الصديق : ما كان لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم{[8750]} . وجعل الدعاء إلى الله من حيث هو إلى شرعة ودينه ، وقرأ الجمهور «ليَحكُم » على بناء الفعل للفاعل ، وقرأ أبو جعفر والجحدري وخالد بن إلياس والحسن «ليُحكَم » على بناء الفعل للمفعول ، و { المفلحون } البالغون آمالهم في دنياهم وآخرتهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.