فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{إِنَّمَا كَانَ قَوۡلَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذَا دُعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ لِيَحۡكُمَ بَيۡنَهُمۡ أَن يَقُولُواْ سَمِعۡنَا وَأَطَعۡنَاۚ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (51)

ثم لما ذكر ما كان عليه أهل النفاق أتبع بما يجب على المؤمنين أن يفعلوه إذا دعوا إلى حكم الله ، ورسوله ، فقال { إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ المؤمنين إِذَا دُعُواْ إِلَى الله وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } قرأ الجمهور بنصب : { قول } على أنه خبر كان واسمها { أن يقولوا } .

وقرأ عليّ والحسن وابن أبي إسحاق برفع : «قول » على أنه الاسم ، وأن المصدرية ، وما في حيزها الخبر ، وقد رجحت القراءة الأولى بما تقرّر عند النحاة من أنه إذا اجتمع معرفتان ، وكانت إحداهما أعرف جعلت التي هي أعرف اسماً . وأما سيبويه فقد خير بين كلّ معرفتين ، ولم يفرق هذه التفرقة ، وقد قدّمنا الكلام على الدعوة إلى الله ، ورسوله للحكم بين المتخاصمين ، وذكرنا من تجب الإجابة إليه من القضاة ، ومن لا تجب { أَن يَقُولُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } أي أن يقولوا هذا القول لا قولاً آخر ، وهذا ، وإن كان على طريقة الخبر ، فليس المراد به ذلك ، بل المراد به تعليم الأدب الشرعي عند هذه الدعوة من أحد المتخاصمين للآخر . والمعنى : أنه ينبغي للمؤمنين أن يكونوا هكذا بحيث إذا سمعوا الدعاء المذكور قابلوه بالطاعة والإذعان . قال مقاتل وغيره : يقولون سمعنا قول النبي صلى الله عليه وسلم وأطعنا أمره ، وإن كان ذلك فيما يكرهونه ، ويضرّهم ، ثم أثنى سبحانه عليهم بقوله : { أولئك } أي المؤمنون الذين قالوا هذا القول { هُمُ المفلحون } أي الفائزون بخير الدنيا والآخرة .

/خ57