قوله تعالى : { فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا يا أبانا } ، إنا قدمنا على خير رجل ، أنزلنا وأكرمنا كرامة لو كان رجلا من أولاد يعقوب ما أكرمنا كرامته ، فقال لهم يعقوب : إذا أتيتم ملك مصر فاقرؤوه مني السلام ، وقولوا له : إن أبانا يصلي عليك ويدعو لك بما أوليتنا ، ثم قال : أين شمعون ؟ قالوا : ارتهنه ملك مصر ، وأخبروه بالقصة ، فقال لهم : ولم أخبرتموه ؟ قالوا : إنه أخذنا وقال أنتم جواسيس -حيث كلمناه بلسان العبرانية- وقصوا عليه القصة ، وقالوا يا أبانا : { منع منا الكيل } ، قال الحسن : معناه يمنع منا الكيل إن لم نحمل أخانا معنا . وقيل : معناه أعطى باسم كل واحد حملا ومنع منا الكيل لبنيامين ، والمراد بالكيل : الطعام ، لأنه يكال . { فأرسل معنا أخانا } ، بنيامين ، { نكتل } قرأ حمزة والكسائي : { يكتل } بالياء ، يعني : يكتل لنفسه كما نحن نكتال ، وقرأ الآخرون : { نكتل } بالنون ، يعني : نكتل نحن وهو الطعام . وقيل : نكتل له ، { وإنا له لحافظون } .
يخبر تعالى عنهم إنهم رجعوا إلى أبيهم { قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ } يعنون بعد هذه المرة ، إن لم ترسل معنا أخانا بنيامين ، فأرسله معنا نكتل .
وقرأ بعضهم : [ يكتل ]{[15224]} بالياء ، أي يكتل هو ، { وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } أي : لا تخف عليه فإنه سيرجع إليك . وهذا كما قالوا له في يوسف : { أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } {[15225]} ؛ ولهذا قال لهم : { هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ }
القول في تأويل قوله تعالى : { فَلَمّا رَجِعُوا إِلَىَ أَبِيهِمْ قَالُواْ يَأَبَانَا مُنِعَ مِنّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَآ أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنّا لَهُ لَحَافِظُونَ } .
يقول تعالى ذكره : فلما رجع إخوة يوسف إلى أبيهم ، قالوا : يا أبانا مُنِعَ مِنّا الكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنا أخانا نَكْتَلْ يقول : مُنع منا الكيل فوق الكيل الذي كيل لنا ، ولم يُكَل لكل رجل منا إلا كيل بعير ، فأرسل معنا أخانا بنيامين يكتل لنفسه كيل بعير آخر زيادة على كيل أباعرنا . وَإنّا لُحَافِظُونَ من أن يناله مكروه في سفره .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السديّ : فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا : يا أبانا إن ملك مصر أكرمنا كرامة مّا لو كان رجل من ولد يعقوب ما أكرمنا كرامته ، وإنه ارتهن شمعون ، وقال : ائتوني بأخيكم هذا الذي عكف عليه أبوكم بعد أخيكم الذي هلك ، فإن لم تأتوني به فلا تقربوا بلادي . قال يعقوب : هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إلاّ كَمَا أمِنْتُكُمْ على أخِيهِ مِنْ قَبْلُ فاللّهُ خَيْرٌ حافِظا وَهُوَ أرْحَمُ الرّاحِمِينَ قال : فقال لهم يعقوب : إذا أتيتم ملك مصر فاقرئوه مني السلام ، وقولوا : إن أبانا يصلّي عليك ، ويدعو لك بما أوليتنا .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : خرجوا حتى قدموا على أبيهم ، وكان منزلهم فيما ذكر لي بعض أهل العلم بالعَرَبات من أرض فلسطين بغَوْر الشام . وبعض يقول : بالأولاج من ناحية الشّعب أسفل من حِسْمَى ، وكان صاحب بادية له شاءٌ وإبل ، فقالوا : يا أبانا قدمنا على خير رجل أنزلنا فأكرم منزلنا وكال لنا فأوفانا ولم يبخسنا ، وقد أمرنا أن نأتيه بأخ لنا من أبينا ، وقال : إن أنتم لم تفعلوا فلا تقربُنّي ولا تدخلُنّ بلدي فقال لهم يعقوب : هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إلاّ كمَا أمِنْتُكُمْ على أخِيهِ مِنْ قَبْلُ فاللّهُ خَيْرٌ حافِظا وَهُوَ أرْحَمُ الرّاحِمِينَ .
واختلفت القراء في قراءة قوله : نَكْتَلْ ، فقرأ ذلك عامة قرّاء أهل المدينة وبعض أهل مكة والكوفة نَكْتَلْ بالنون ، بمعنى : نكتل نحن وهو . وقرأ ذلك عامة قرّاء أهل الكوفة : «يَكْتَلْ » بالياء ، بمعنى يكتل هو لنفسه كما نكتال لأنفسنا .
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان متفقتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب الصواب . وذلك أنهم إنما أخبروا أباهم أنه مَنَع منهم زيادة الكيل على عدد رءوسهم ، فقالوا : يا أبانَا مُنِعَ مِنّا الكَيْلُ ثم سألوه أن يرسل معهم أخاهم ليكتال لنفسه ، فهو إذن اكتال لنفسه واكتالوا هم لأنفسهم ، فقد دخل الأخ في عَدَدهم . فسواء كان الخبر بذلك عن خاصة نفسه ، أو عن جميعهم بلفظ الجميع ، إذ كان مفهوما معنى الكلام وما أريد به .
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر : «نكتل » بالنون على مراعاة { منع منا } ويقويه : { ونمير أهلنا ونزداد } [ يوسف : 65 ] وقرأ حمزة والكسائي : «يكتل » بالياء ، أي يكتل بنيامين كما اكتلنا نحن .
وأصل { نكتل } ، وزنه نفتعل{[6742]} . وقوله { منع منا } ظاهره أنهم أشاروا إلى قوله : { فلا كيل لكم عندي } [ يوسف : 60 ] فهو خوف في المستأنف{[6743]} ؛ وقيل : أشاروا إلى بعير بنيامين - الذي لم يمتر - والأول أرجح . ثم تضمنوا له حفظه وحيطته .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.