قال تعالى : { فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ } أي : فلما أبى الفاعلون المنكر قبول النصيحة ، { أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا } أي : ارتكبوا المعصية { بِعَذَابٍ بَئِيسٍ } فنص على نجاة الناهين وهلاك الظالمين ، وسكت عن الساكتين ؛ لأن الجزاء من جنس العمل ، فهم لا يستحقون مدحا فيمدحوا ، ولا ارتكبوا عظيما فيذموا ،
القول في تأويل قوله تعالى : { فَلَماّ عَتَوْاْ عَن مّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ } . .
يقول تعالى ذكره : فلما تمرّدوا فيما نهوا عنه من اعتدائهم في السبت ، واستحلالهم ما حرّم الله عليهم من صيد السمك وأكله وتمادوا فيه قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ : أي بُعداء من الخير .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : فَلَمّا عَتَوْا عَمّا نُهُوا عَنْهُ يقول : لما مرد القوم على المعصية . قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ فصاروا قردة لها أذناب تَعَاوَى بعد ما كانوا رجالاً ونساء .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : فَلَمّا عَتَوْا عَمّا نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ فجعل الله منهم القردة والخنازير . فزعم أن شباب القوم صاروا قردة ، وأن المشيخة صاروا خنازير .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحمانيّ ، قال : حدثنا شريك ، عن السديّ ، عن أبي مالك أو سعيد بن جبير ، قال : رأى موسى عليه السلام رجلاً يحمل قصبا يوم السبت ، فضرب عنقه .
{ فلما عتوا عما نهوا عنه } تكبروا عن ترك ما نهوا عنه كقوله تعالى : { وعتوا عن أمر ربهم } . { قلنا لهم كونوا قردة خاسئين } كقوله : { إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون } والظاهر يقتضي أن الله تعالى عذبهم أولا بعذاب شديد فعتوا بعد ذلك فمسخهم ، ويجوز أن تكون الآية الثانية تقريرا وتفصيلا للأولى . روي : أن الناهين لما أيسوا عن اتعاظ المعتدين كرهوا مساكنتهم ، فقسموا القرية بجدار فيه باب مطروق ، فأصبحوا يوما ولم يخرج إليهم أحد من المعتدين فقالوا : إن لهم شأنا فدخلوا عليهم فإذا هم قردة فلم يعرفوا أنسبائهم ولكن القردة تعرفهم ، فجعلت تأتي انسباءهم وتشم ثيابهم وتدور باكية حولهم ثم ماتوا بعد ثلاث . وعن مجاهد مسخت قلوبهم لا أبدانهم .
وقوله : { بما كانوا يفسقون } أي لأجل ذلك وعقوبة عليه ، و «العتو » الاستعصاء وقلة الطواعية ، وقوله : { قلنا لهم } يحتمل أن يكون قولاً بلفظ من ملك أسمعهم ذلك فكان أذهب في الإغراب والهوان والإصغار ، ويحتمل أن يكون عبارة عن المقدرة المكونة لهم قردة ، و[ خاسئين ] مبعدين ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن صياد : ( اخسأ ) ، وكما يقال للكلب : اخسأ ، ف { خاسئين } خبر بعد خبر ، هذا اختيار أبي الفتح ، وضعف الصفة وكذلك هو ، لأن القصد ليس التشبيه بقردة مبعدات .
قال القاضي أبو محمد : ويجوز أن يكون { خاسئين } حالاً من الضمير في { كونوا } ، والصفة أيضاً متوجهة مع ضعفها ، وروي أن الشباب منهم مسخوا قردة والرجال الكبار مسخوا خنازير ، وروي أن مسخهم كان بعد المعصية في صيد الحوت بعامين وقال ابن الكلبي إن إهلاكهم كان في زمن داود ، وروي أن الناهين قسموا المدينة بينهم وبين العاصين بجدار ، فلما أصحبوا ليلة أهلك العاصون لم يفتح مدينة العاصين حتى ارتفع النهار فاستراب الناهون لذلك فطلع أحد الناس على السور فرآهم ممسوخين قردة تتواثب ، فصاح ، فدخلوا عليهم يعرف الرجل قرابته ويعرف القرد أيضاً كذلك قرابته ، وينضمون إلى قرابتهم فيتحسرون ، قال الزجاج : وقال قوم : يجوز أن تكون هذه القردة من نسلهم .
قال القاضي أبو محمد : وتعلق هؤلاء بقول النبي صلى الله عليه وسلم : إن أمة من الأمم فقدت وما أراها إلا الفأر إذا قرب لها لبن لم تشرب ، وبقوله صلى الله عليه وسلم في الضب ، وقصص هذا الأمر أكثر من هذا لكن اختصرته واقتصرت على عيونه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.