معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَقَدۡ خَابَ مَن دَسَّىٰهَا} (10)

{ وقد خاب من دساها } أي خابت وخسرت نفس أضلها الله فأفسدها . وقال الحسن : معناه قد أفلح من زكى نفسه فأصلحها وحملها على طاعة الله عز وجل ، { وقد خاب من دساها } أهلكها وأضلها وحملها على المعصية ، فجعل الفعل للنفس . و{ دساها } أصله : دسسها من التدسيس ، وهو إخفاء الشيء ، فأبدلت السين الثانية ياءً . والمعنى ها هنا : أخملها وأخفى محلها بالكفر والمعصية .

أخبرنا أبو الحسن علي بن يوسف الجويني ، أنبأنا محمد بن محمد بن علي بن محمد بن شريك الشافعي ، أنبأنا عبد الله بن محمد بن مسلم أبو بكر الجوربردي ، حدثنا أحمد بن حرب ، حدثنا أبو معاوية عن عاصم ، عن أبي عثمان وعبد الله بن الحارث ، عن زيد بن أرقم قال : " لا أقول لكم إلا ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا : اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والبخل والجبن والهرم وعذاب القبر ، اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها ، اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ، ومن نفس لا تشبع ، ومن قلب لا يخشع ، ومن دعوة لا يستجاب لها " .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَقَدۡ خَابَ مَن دَسَّىٰهَا} (10)

وقوله : { فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا } أي : فأرشدها إلى فجورها وتقواها ، أي : بين لها ذلك ، وهداها إلى ما قدر لها .

قال ابن عباس : { فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا } بين لها الخير والشر . وكذا قال مجاهد ، وقتادة ، والضحاك ، والثوري .

وقال سعيد بن جبير : ألهمها الخير والشر . وقال ابن زيد : جعل فيها فجورها وتقواها .

وقال ابن جرير : حدثنا ابن بشار ، حدثنا صفوان بن عيسى وأبو عاصم النبيل قالا حدثنا عَزْرَة بن ثابت ، حدثني يحيى بن عقيل ، عن يحيى بن يَعْمَر ، عن أبي الأسود الدّيلي{[30130]} قال : قال لي عمران بن حصين : أرأيت ما يعمل فيه الناس ويتكادحون فيه ، أشيء قضي عليهم ومضى عليهم من قَدَر قد سبق ، أو فيما يُستَقبَلُون مما أتاهم به نبيهم صلى الله عليه وسلم ، وأكدت عليهم الحجة ؟ قلت : بل شيء قضي{[30131]} عليهم . قال : فهل يكون ذلك ظلمًا ؟ قال : ففزعت منه فزعًا شديدًا ، قال : قلت له : ليس شيء إلا وهو خَلقُه وملْك يَده ، لا يسألُ عما يفعل وهم يسألون . قال : سددك الله ، إنما سألت لأخبر{[30132]} عقلك ، إن رجلا من مُزَينة - أو جهينة - أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، أرأيت ما يعمل الناس فيه ويتكادحون ، أشيء قضي عليهم ومضى عليهم من قَدر قد سبق ، أم شيء مما يستقبلون مما أتاهم به نبيهم ، وأكدت به عليهم الحجة ؟ قال : " بل شيء قد قضي{[30133]} عليهم " . قال : ففيم نعمل ؟ قال : " من كان الله خلقه لإحدى المنزلتين يُهَيِّئه لها ، وتصديق ذلك في كتاب الله : { وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا }

رواه أحمد ومسلم ، من حديث عَزْرَة بن ثابت به{[30134]} .

وقوله : { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا } يحتمل أن يكون المعنى : قد أفلح من زكى نفسه ، أي : بطاعة الله - كما قال قتادة - وطهرها من الأخلاق الدنيئة والرذائل . ويُروَى نحوه عن مجاهد ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير . وكقوله : { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى } [ الأعلى : 14 ، 15 ] .

{ وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا } أي : دسسها ، أي : أخملها ووضع منها بخذلانه إياها عن الهُدَى ، حتى ركب المعاصي وترك طاعة الله عز وجل .

وقد يحتمل أن يكون المعنى : قد أفلح من زكى الله نفسه ، وقد خاب من دَسَّى الله نفسه ، كما قال{[30135]} العوفي وعلي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي وأبو زُرْعَة قالا حدثنا سهل{[30136]} بن عثمان ، حدثنا أبو مالك - يعني عمرو بن هشام - عن جُوَيبر ، عن الضحاك ، عن ابن عباس قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في قول الله : { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا } قال النبي صلى الله عليه وسلم : " أفلحت نفس زكاها الله " {[30137]} .

ورواه ابن أبي حاتم من حديث أبي مالك ، به . وجويبر [ هذا ]{[30138]} هو ابن سعيد ، متروك الحديث ، والضحاك لم يلق ابن عباس .

وقال الطبراني : حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح ، حدثنا أبي ، حدثنا ابن لَهِيعة ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مر بهذه الآية : { وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا } وقف ، ثم قال : " اللهم آت نفسي تقواها ، أنت وليها ومولاها ، وخير من زكاها " {[30139]} .

حديث آخر : قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زُرْعَة ، حدثنا يعقوب بن حميد المدني ، حدثنا عبد الله بن عبد الله الأموي ، حدثنا مَعْن بن محمد الغفاري ، عن حنظلة بن علي الأسلمي ، عن أبي هريرة قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ : { فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا } قال : " اللهم آت نفسي تقواها ، وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها " {[30140]} لم يخرجوه من هذا الوجه .

وقال الإمام أحمد : حدثنا وَكِيع ، عن نافع - عن ابن عمر - عن صالح بن سُعَيد ، عن عائشة : أنها فَقَدت النبي صلى الله عليه وسلم من مضجعه ، فلمسته بيدها ، فوقعت{[30141]} عليه وهو ساجد ، وهو يقول : " رب ، أعط نفسي تقواها ، وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها " {[30142]} تفرد به .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا عبد الواحد بن زياد ، حدثنا عاصم الأحول ، عن عبد الله بن الحارث ، عن زيد بن أرقم قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " اللهم ، إني أعوذ بك من العجز والكَسَل والهرم ، والجُبن والبخل وعذاب القبر . اللهم ، آت نفسي تقواها ، وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها . اللهم ، إني أعوذ بك من قَلْب لا يخشع ، ومن نَفْس لا تشبع ، وعِلْم لا ينفع ، ودعوة لا يستجاب لها " . قال زيد : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمناهن ونحن نعلمكوهن .

رواه مسلم من حديث أبي معاوية ، عن عاصم الأحول ، عن عبد الله بن الحارث - وأبي عثمان النهدي ، عن زيد بن أرقم ، به{[30143]} .


[30130]:- (1) في أ: "الديلمي".
[30131]:- (2) في أ: "شيء قد قضي".
[30132]:- (3) في م: "إنما سألتك لأختبر".
[30133]:- (4) في م: "قضى الله".
[30134]:- (5) تفسير الطبري (30/135) والمسند (4/438) وصحيح مسلم برقم (2650).
[30135]:- (6) في م: "كما قاله".
[30136]:- (7) في أ: "سهيل".
[30137]:- (8) ورواه الديلمي في مسند الفردوس برقم (4600) من طريق جويبر به.
[30138]:- (9) زيادة من م.
[30139]:- (1) المعجم الكبير (11/106) وزاد: "عن عمرو بن دينار وعطاء بن أبي رباح" وقال الهيثمي في المجمع (7/138): "إسناد حسن".
[30140]:- (2) ورواه ابن أبي عاصم في السنة برقم (318) عن يعقوب بن حميد به.
[30141]:- (3) في م: "فوثبت".
[30142]:- (4) المسند (6/209).
[30143]:- (5) المسند (4/371) وصحيح مسلم برقم (2722).

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَقَدۡ خَابَ مَن دَسَّىٰهَا} (10)

وقوله : وَقَدْ خاب مَنْ دَسّاها يقول تعالى ذكره : وقد خاب في طِلبته ، فلم يُدرك ما طلب والتمس لنفسه من الصلاح مَنْ دسّاهَا يعني : من دَسّس الله نفسه فأحْملها ، ووضع منها ، بخُذلانه إياها عن الهدى حتى ركب المعاصِيَ ، وترك طاعة الله . وقيل : دسّاها وهي دَسّسها ، فقُلبت إحدى سيناتها ياء ، كما قال العجّاج :

*** تَقَضّيَ الْبازِي إذا البازِي كَسَرْ ***

يريد : تَقَضّض . وتظنّيت هذا الأمر ، بمعنى : تظننت ، والعرب تفعل ذلك كثيرا ، فتبدل في الحرف المشدّد بعضَ حروفه ، ياء أحيانا ، وواوا أحيانا ومنه قول الاَخر :

يَذْهَبُ بِي فِي الشّعْرِ كُلّ فَنّ *** حتى يَرُدّ عَنّي التَظَنّي

يريد : التظنن : وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس وَقَدْ خابَ مَنْ دَسّاها يقول : وقد خاب من دَسّى الله نُفسَه فأضلّه .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : وَقَدْ خابَ مَنْ دَسّاها يعني : تكذيبها .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن خَصِيف ، عن مجاهد وسعيد بن جُبير وَقَدْ خابَ مَنْ دَسّاها قال أحدهما : أغواها ، وقال الاَخر : أضلّها .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن خَصِيف ، عن مجاهد وَقَدْ خابَ مَنْ دَسّاها قال : أضلها ، وقال سعيد : من أغواها .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : مَنْ دَسّاها قال : أغواها .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَقَدْ خابَ مَنْ دَسّاها قال : أثّمها وأفجرها .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، مثله .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَقَدْ خابَ يقول : وقد خاب من دَسّى اللّهُ نَفسَه .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَقَدۡ خَابَ مَن دَسَّىٰهَا} (10)

وقد خاب من دساها نقصها وأخفاها بالجهالة والفسوق وأصل دسى دسس كتقضى وتقضض .