تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَقَدۡ خَابَ مَن دَسَّىٰهَا} (10)

الآيتان 9 و10 : وقوله تعالى : { قد أفلح من زكاها } { وقد خاب من دساها } فموقع ما تقدم من القسم بالشمس والقمر والليل والنهار على هذا .

فقوله تعالى : { قد أفلح من زكاها } { وقد خاب من دساها } ]{[23689]} في الآخرة{[23690]} [ فيكون هذا منصرفا إلى الجزاء في الآخرة على ]{[23691]} ما يذكر في قوله : { إن سعيكم لشتى } [ الليل : 4 ] فيكون في هذا إيجاب القول بالبعث من الوجه الذي نذكر إن شاء الله تعالى .

ثم اختلفوا في تأويل الفلاح : قال بعضهم : أفلح أي سعد ، ومنهم من يقول : أي بقي في الخيرات ، والفلاح البقاء ، ومنهم من يقول : أفلح أي فاز ، والمفلح في الجملة ، هو الذي يظفر بما يأمل ، وينجو عما يحذر ، فيدخل في تلك السعادة والبقاء والفوز .

وقوله تعالى : { من زكاها } فجائز أن يكون منصرفا إلى الله تعالى ، وجائز أن ينصرف إلى العبد . قال الله تعالى : { ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا ولكن الله يزكي من يشاء } [ النور : 21 ] وقال : { قل بفضل الله وبرحمته } [ يونس : 58 ] فبين الله تعالى أنه هو الذي يفضل بتزكيته من زكا . وجائز أن يكون يصرف إلى العبد قوله تعالى : { زكاها } أي صاحبها . وكذلك قوله تعالى : { وقد خاب من دساها } يحتمل هذين الوجهين ، فيكون /643 – ب/ الله تعالى ، هو الذي أنشأ فعل الضلال/ فيكون الفعل من حيث الإنشاء من الله تعالى ومن حيث الفعل من العبد .

ثم قوله تعالى : { من دساها } أي أخفاها ، وإخفاؤها أنه صيرها بحيث لا تذكر في المحافل إلا بالذم ، وزكى الآخر [ نفسه : أي طهرها ]{[23692]} حتى ينظر إليها الناس بعين التبجيل والتعظيم . وهكذا شأن المتقي أن يكون مبجلا معظما في ما بين الخلق ، والفاجر يعيش مذموما مهانا في ما بين الخلق ، أو يرجع الإظهار والإخفاء إلى الآخرة ، فيجلّ قدر المتقي المزكي ، ويحمد ذكر الفاجر .

وقوله تعالى : { دساها } من دسس ، فأسقط السين ، وأبدل مكانها الياء .

ثم الإضافة في قوله { دساها } إلى الله تعالى على خلق ذلك الفعل منه ، وفي قوله { من زكاها } على التوفيق .


[23689]:ساقطة من م.
[23690]:من م، ساقطة من الأصل .
[23691]:من نسخة الحرم المكي، ساقطة من الأصل، في م: على.
[23692]:في الأصل وم: أظهرها.