اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَقَدۡ خَابَ مَن دَسَّىٰهَا} (10)

وقيل : هو على التقديم والتأخير بغير حذف ، والمعنى : قد أفلح من زكاها ، وقد خاب من دساها ، والشمس وضحاها .

وفاعل «زكّاها » و «دسّاها » ، الظاهر أنه ضمير «مَنْ » .

وقيل : ضمير الباري تعالى ، أي : أفلح وفاز من زكاها بالطاعة ، وقد خاب من دساها أي : خسرت نفسٌ دسها الله تعالى بالمعصية ، وأنحى الزمخشري على صاحب هذا القول لمنافرته مذهبه{[60296]} .

قال شهاب الدين{[60297]} : والحق أنه خلاف الظاهر ، لا لما قال الزمخشري ، بل لمنافرة نظمه للاحتياج إلى عود الضمير على النفس مقيدة بإضافتها إلى ضمير «من » .

وقال ابن عباس : خابت نفس أضلها الله وأغواها .

وقيل : أفلح من زكى نفسه بطاعة الله ، «وخاب » خسر من دس نفسه في المعاصي . قاله قتادة .

وأصل الزكاة : النمو والزيادة ، ومنه تزكى الزَّرع إذا كثر معه ، ومنه تزكية القاضي الشاهد ، لأنه يرفعه بالتعديل .

وقيل : دساها : أغواها ، قال : [ الطويل ]

5222- وأَنْتَ الَّذِي دسَّيْتَ عَمْراً فأصْبَحتَ *** حَلائِلهُ مِنْهُ أرَامِلَ ضُيَّعَا{[60298]}

قال أهل اللغة : والأصل ، دسها ، من التدسيس [ فكثرت الأمثال فأبدل من ثالثها حرف علة كما قالوا : قصيت أظفاري ، وأصله قصصت ، وتقضي البازي ، والتدسية : الإخفاء يعني أخفاه بالفجور ، وقد نطق بالأصل الشاعر المتقدم . وقال آخر : [ الكامل ]

5223- ودَسَسْتَ عَمْراً في التُّرَابِ فأصْبَحَتْ*** . . . {[60299]} ]{[60300]}

[ وهو إخفاء الشيء في الشيء ، فأبدلت سينه ياءً . وقال ابن الأعرابي : «وقَدْ خَابَ من دسَّاهَا » أي : دس نفسه في جملة الصالحين وليس منهم ]{[60301]} .

قال الواحدي : فكأنه - تعالى - أقسم على فلاح من طهره وخسارة من خذله لئلا يظن أن المراد بتولي ذلك من غير قضاء سابق ، فقوله : «قَدْ أفلَحَ » : هو جواب القسم .


[60296]:ينظر السابق.
[60297]:الدر المصون 6/532.
[60298]:ويروى الشطر الثاني: *** نساؤهم منهم أرامل ضيع *** ينظر القرطبي 20/52، والبحر 8/472، والدر المصون 6/531.
[60299]:تقدم.
[60300]:سقط من ب.
[60301]:سقط من أ.